الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } * { ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }

{ وَمِن ثَمَرٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَـٰبِ } متعلق بمحذوف أي ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب أي من عصيرهما، وقوله: { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا } استئناف لبيان الإِسقاء أو بـ { تَتَّخِذُونَ } ، ومنه تكرير للظرف تأكيداً أو خبر لمحذوف صفته { تَتَّخِذُونَ } ، أي ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه، وتذكير الضمير على الوجهين الأولين لأنه للمضاف المحذوف الذي هو العصير، أو لأن الـ { ثَمَرٰتِ } بمعنى الثمر والـ { ـسكر } مصدر سمي به الخمر. { وَرِزْقًا حَسَنًا } كالتمر والزبيب والدبس والخل، والآية إن كانت سابقة على تحريم الخمر فدالة على كراهتها وإلا فجامعة بين العتاب والمنة. وقيل الـ { سكر } النبيذ وقيل الطعم قال:
جَعَلْـتُ أَعْـرَاضَ الكِـرَامِ سُكْـراً   
أي تنقلت بأعراضهم. وقيل ما يسد الجوع من السكر فيكون الرزق ما يحصل من أثمانه. { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } يستعملون عقولهم بالنظر والتأمل في الآيات.

{ وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ } ألهمها وقذف في قلوبها، وقرىء { إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ } بفتحتين. { أَنِ ٱتَّخِذِي } بأن اتخذي ويجوز أن تكون { أن } مفسرة لأن في الإيحاء معنى القول، وتأنيث الضمير على المعنى فإن النحل مذكر. { مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } ذكر بحرف التبعيض لأنها لا تبني في كل جبل وكل شجر وكل ما يعرش من كرم أو سقف، ولا في كل مكان منها وإنما سمي ما تبنيه لتتعسل فيه بيتاً تشبيهاً ببناء الإنسان، لما فيه من حسن الصنعة وصحة القسمة التي لا يقوى عليها أحذق المهندسين إلا بآلات وأنظار دقيقة، ولعل ذكره للتنبيه على ذلك وقرىء { بُيُوتًا } بكسر الباء، وقرأ ابن عامر وأبو بكر { يَعْرُِشُونَ } بضم الراء.

{ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرٰتِ } من كل ثمرة تشتهينها مرها وحلوها. { فَٱسْلُكِي } ما أكلت. { سُبُلَ رَبّكِ } في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المر عسلاً من أجوافك، أو { فَٱسْلُكِي } الطرق التي ألهمك في عمل العسل، أو فاسلكي راجعة إلى بيوتك { سُبُلَ رَبّكِ } لا تتوعر عليك. ولا تلتبس. { ذُلُلاً } جمع ذلول وهي حال من السبل، أي مذللة ذللها الله تعالى وسهلها لك، أو من الضمير في أسلكي أي وأنت ذلل منقادة لما أمرت به. { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا } كأنه عدل به عن خطاب النحل إلى خطاب الناس، لأنه محل الإِنعام عليهم والمقصود من خلق النحل وإلهامه لأجلهم. { شَرَابٌ } يعني العسل لأنه مما يشرب، واحتج به من زعم أن النحل تأكل الأزهار والأوراق العطرة فتستحيل في بطنها عسلاً، ثم تقىء ادخاراً للشتاء، ومن زعم أنها تلتقط بأفواهها أجزاء طلية حلوة صغيرة متفرقة على الأوراق والأزهار، وتضعها في بيوتها ادخاراً فإذا اجتمع في بيوتها شيء كثير منها كان العسل فسر البطون بالأفواه.

السابقالتالي
2