الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ }

يقول تعالى ذكره: وهكذا { أوْحَيْنا إلَيْكَ } يا محمد { قُرْآنا عَرَبِيّاً } بلسان العرب، لأن الذين أرسلتك إليهم قوم عرب، فأوحينا إليك هذا القرآن بألسنتهم، ليفهموا ما فيه من حجج الله وذكره، لأنا لا نرسل رسولاً إلا بلسان قومه، ليبين لهم { لِتُنْذِرَ أُمَّ القُرَى } وهي مكة { وَمَنْ حَوْلَهَا } يقول: ومن حول أمّ القرى من سائر الناس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: { لِتُنْذِرَ أُمَّ القُرَى } قال: مكة. وقوله: { وَتُنْذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ } يقول عزّ وجلّ: وتنذر عقاب الله في يوم الجمع عباده لموقف الحساب والعرض. وقيل: وتنذر يوم الجمع، والمعنى: وتنذرهم يوم الجمع، كما قيل: يخوّف أولياءه، والمعنى: يخوّفكم أولياءه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ { وَتُنْذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ } قال: يوم القِيامَةِ. وقوله: { لا رَيْبَ فِيهِ } يقول: لا شكّ فيه. وقوله: { فَرِيقٌ فِي الجَنَّة وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } يقول: منهم فريق في الجنة، وهم الذين آمنوا بالله واتبعوا ما جاءهم به رسوله صلى الله عليه وسلم { وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } يقول: ومنهم فريق في الموقدة من نار الله المسعورة على أهلها، وهم الذين كفروا بالله، وخالفوا ما جاءهم به رسوله. وقد: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي قبيل المعافريّ، عن شفيّ الأصبحيّ، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان، فقال: " هَلْ تَدْرُونَ ما هَذَا؟ " فقلنا: لا، إلا أن تخبرنا يا رسول الله، قال: " هَذَا كِتابٌ مِنْ رَبّ العالَمِينَ، فِيهِ أسْماءُ أهْلِ الجَنَّةِ، وأسماءُ آبائِهِمْ وَقَبَائِلِهمْ " ، ثُمَّ أُجْمِلَ، على آخِرِهِم، " فَلا يُزادُ فِيهِمْ وَلا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أبَداً، وَهَذَا كِتابُ أهْلِ النَّارِ بِأسمْائِهِمْ وأسْماءِ آبائِهِمْ " ، ثُمَّ أُجْمِلَ على آخِرِهِم، " فَلا يُزَادُ وَلا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أبَداً " ، قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ففيم إذن نعمل إن كان هذا أمر قد فُرغ منه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بَلْ سَدِّدُوا وَقارِبُوا، فإنَّ صَاحِبَ الجَنَّةِ يُخْتمُ لَهُ بعَمَلِ الجَنَّةِ وَإنْ عَمِلَ أيَّ عَمَلٍ، وَصَاحِبُ النَّارِ يُخْتَمُ لَه بعَمَلِ النَّارِ وَإنْ عَمِلَ أيّ عَمَلٍ، فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ العِبادِ " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه فنبذهما: " فَرَغ رَبُّكُمْ مِنَ الخَلْقِ، فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ "

السابقالتالي
2