الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ } * { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَـٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ وَكُلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ }

أمر تبارك وتعالى بالإيمان به وبرسوله على الوجه الأكمل، والدوام والثبات على ذلك والاستمرار، وحث على الإنفاق مما جعلكم مستخلفين فيه، أي مما هو معكم على سبيل العارية، فإنه قد كان في أيدي من قبلكم، ثم صار إليكم، فأرشد الله تعالى إلى استعمال ما استخلفتم فيه من المال في طاعته، فإن تفعلوا، وإلا حاسبكم عليه، وعاقبكم لترككم الواجبات فيه. وقوله تعالى { مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } فيه إشارة إلى أنه سيكون مخلفاً عنك، فلعل وارثك أن يطيع الله فيه، فيكون أسعد بما أنعم الله به عليك منك، أو يعصي الله فيه، فتكون قد سعيت في معاونته على الإثم والعدوان. قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، سمعت قتادة يحدث عن مطرف، يعني ابن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول " ألهاكم التكاثر، يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ماأكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟ " ورواه مسلم من حديث شعبة، به، وزاد " وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس ". وقوله تعالى { فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ } ترغيب في الإيمان والإنفاق في الطاعة، ثم قال تعالى { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ }؟ أي وأي شيء يمنعكم من الإيمان، والرسول بين أظهركم يدعوكم إلى ذلك، ويبين لكم الحجج والبراهين على صحة ما جاءكم به؟ وقد روينا في الحديث من طرق في أوائل شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه " أي المؤمنين أعجب إليكم إيماناً؟ " قالوا الملائكة. قال " وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم؟ " قالوا فالأنبياء. قال " ومالهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟ " قالوا فنحن. قال " ومالكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟، ولكن أعجب المؤمنين إيماناً قوم يجيئون بعدكم، يجدون صحفاً يؤمنون بما فيها " وقد ذكرنا طرفاً من هذه الرواية في أول سورة البقرة عند قوله تعالىٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ } البقرة 3. وقوله تعالى { وَقَدْ أَخَذَ مِيثَـٰقَكُمْ } كما قال تعالىوَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَـٰقَهُ ٱلَّذِى وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } المائدة 7 ويعني بذلك بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وزعم ابن جرير أن المراد بذلك الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم، وهو مذهب مجاهد، فالله أعلم. وقوله تعالى { هُوَ ٱلَّذِى يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ ءَايَـٰتٍ بَيِّنَـٰتٍ } أي حججاً واضحات، ودلائل باهرات، وبراهين قاطعات { لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ } أي من ظلمات الجهل والكفر والآراء المتضادة إلى نور الهدى واليقين والإيمان { وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } أي في إنزاله الكتب، وإرساله الرسل لهداية الناس، وإزاحة العلل، وإزالة الشبه.

السابقالتالي
2 3 4 5