الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ }

{ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ } قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره لأصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم: واعلموا أيها المؤمنون بالله ورسوله أن فيكم رسول الله، فاتقوا الله أن تقولوا الباطل، وتفتروا الكذب، فإن الله يخبره أخباركم، ويعرفه أنباءكم، ويقوّمه على الصواب في أموره.

{ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ } قال الطبريّ: أي: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمل في الأمور بآرائكم، ويقبل منكم ما تقولون له، فيطيعكم، لنالكم عنتٌ - يعني الشدة والمشقة - في كثير من الأمور، بطاعته إياكم، لو أطاعكم؛ لأنه كان يخطئ في أفعاله، كما لو قبل من الوليد بن عقبة قوله في بني المصطلق، أنهم قد ارتدوا ومنعوا الصدقة، وجمعوا الجموع لغزو المسلمين، فغزاهم فقتل منهم، وأصاب من دمائهم وأموالهم، كان قد قتل وقتلتم من لا يحل له ولا لكم قتله، وأخذتم من المال ما لا يحل له ولكم أخذه من أموال قومٍ مسلمين، فنالكم من الله بذلك عنت. والعنت: المشقة، أو الهلاك أو الإثم أو الفساد.

تنبيه

{ أَنَّ } بما في حيزها سادة مسدَّ مفعولي { ٱعْلَمُوۤاْ } باعتبار ما قيد به من الحال، وهو قوله: { لَوْ يُطِيعُكُمْ... } إلخ، فإنه حال من الضمير المجرور في { فِيكُمْ } المستتر فيه. والمعنى: أنه فيكم كائناً على حالة يجب تغييرها، أو كائنين على حالة كذلك، وهي أنكم تودّون أن يتبعكم في كثير من الحوادث، ولو فعل ذلك لوقعتم في الجهل والهلاك. وفيه إيذان بأن بعضهم زين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقع في بني المصطلق، وأنه لم يطع رأيهم هذا. ويجوز أن يكون { لَوْ يُطِيعُكُمْ } مستأنفاً، إلا أن الزمخشريّ منع هذا الاحتمال، قال: لأدائه إلى تنافر النظم؛ لأنه لو اعتبر { لَوْ يُطِيعُكُمْ... } الخ كلاماً برأسه، لم يأخذ الكلام بحجز بعض؛ لأنه لا فائدة حينئذ في قوله: { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ } إذا قطع عما بعده. وأجيب بجواز أن يقصد به التنبيه على جلالة محله صلى الله عليه وسلم، وأنهم لجهلهم بمكانه مفرّطون فيما يجب له من التعظيم، وفي أن شأنهم أن يتبعوه، ولا يتبعوا آراءهم، حتى كأنهم جاهلون بأنه بين أظهرهم، فوضح جواز الاستئناف، والوقف على { رَسُولَ ٱللَّهِ }.

{ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } أي: فما أجدركم أن تطيعوا رسول الله وتأتمّوا به، فيقيكم الله بذلك من العنت فيما لو استتبعتم رأي رسول الله لرأيكم { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ } أي: بالله { وَٱلْفُسُوقَ } يعني: الكذب { وَٱلْعِصْيَانَ } أي: مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتضييع ما أمر الله به.

{ أُوْلَـٰئِكَ } أي: الموصوفون بمحبة الإيمان، وتزينه في قلوبهم، وكراهتهم المعاصي { هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ } أي: السالكون طريق الحق.