قوله تعالى: { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ } أي: كُلِّفُوا العمل بها، { ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } لم يعملوا بها، وهم: اليهود { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } كتباً كباراً من كتب العلم، فهو يمشي بها ولا يدري منها إلا ما يُثقله ويُتعبه، وكلُّ مَنْ عَلِمَ ولم يَعمل فهو من أهل هذا المثل، أعاذنا الله من ذلك. والأسْفَار: جمع سِفْر، مثل: شِبْر وأشْبَار. { بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ } إن شئت كان المضاف محذوفاً، على تقدير: بئس مَثَلُ القوم مَثَلُ الذين كذبوا، فيكون " الذين " في موضع رفع؛ لقيامه مقام المضاف المحذوف. وإن شئت كان " الذين " في موضع الجر؛ وصفاً للقوم، والمخصوص بالذم محذوف، تقديره: بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله، المثل المضروب لهم. وقال الواحدي: هو ذم لمثلهم. والمراد به: ذمهم. والآيتان بعد هذه سبق تفسيرهما في البقرة. وكان اليهود يكرهون [الموت] لسوء ما اختاروا لأنفسهم من حب الرئاسة والنفاسة على محمد صلى الله عليه وسلم، حتى أنكروا ما عرفوه ووجدوه مكتوباً عندهم في التوراة، فأنزل الله تعالى: { قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ } ، وقرأ زيد بن علي: " إنّه ملاقيكم ". وقرأ ابن مسعود: " تفرون منه ملاقيكم ". قال الزجاج: دخلت الفاء في خبر " إنَّ " ، ولا يجوز: إنّ زيداً فمنطلقٌ؛ لأن " الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم " فيه معنى الشرط والجزاء. ويجوز أن يكون تمام الكلام: " قل إن الموت الذي تفرون منه " كأنه قيل: إن فررتُم من أيّ موتٍ كان من قتلٍ أو غيره فإنه ملاقيكم، ويكون " فإنه " استئناف بعد الخبر الأول. قال غيره في قراءة زيد: قد جَعَلَ " إن الموت الذي تَفِرُّون منه " كلاماً برأسه، أي: إن الموت هو الشيء الذي تَفِرُّون منه، ثم استؤنف: " إنه ملاقيكم ". وقراءة ابن مسعود ظاهرة.