الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ }

قوله تعالى: { كَيْفَ يَكُونُ }: في خبر " يكون " ثلاثةُ أوجه أظهرُها: أنه " كيف " ، و " عهدٌ " اسمُها، والخبر هنا واجبُ التقديمِ لاشتماله على ما له صدرُ الكلام وهو الاستفهامُ، و " للمشركين " على هذا متعلقة: إمَّا بـ " يكون " عند مَنْ يُجيز في " كان " أن تعمل في الظرفِ وشبهه، وإمَّا بمحذوف لأنها صفةٌ لعهد في الأصل، فلما قُدِّمَتْ نُصِبَتْ حالاً، و " عند " يجوز أن تكون متعلقةً بـ " يكون " أو بمحذوفٍ على أنها صفةٌ لـ " عَهْد " أو متعلقةً بنفس " عهد " لأنه مصدر. الثاني: أن يكون الخبر " للمشركين " و " عند " على هذا فيها الأوجهُ المتقدمة. ونزيد وجهاً رابعاً وهو أنه يجوز أن يكونَ ظرفاً للاستقرار الذي تعلَّق به " للمشركين ". والثالث: أن يكون الخبرُ " عند الله " و " للمشركين " على هذا: إمَّا تبيين، وإمَّا متعلقٌ بـ " يكون " عند مَنْ يجيز ذلك كما تقدم، وإمَّا حال من " عهد " ، وإمَّا متعلقٌ بالاستقرار الذي تعلَّق به الخبر. ولا يُبالَىٰ بتقديم معمولِ الخبرِ على الاسم لكونِهِ حرفَ جر. و " كيف " على هذين الوجهين الأخيرين مُشْبِهةٌ بالظرف أو بالحال كما تقدَّم تحقيقه فيكَيْفَ تَكْفُرُونَ } [البقرة: 28].

ولم يذكروا هنا وجهاً رابعاً ـ وكان ينبغي أن يكونَ هو الأظهر - وهو أن يكونَ الكونُ تاماً بمعنى: كيف يوجد عهدٌ للمشركين عند الله؟، والاستفهامُ هنا بمعنى النفي، ولذلك وقع بعده الاستثناء بـ " إلا " ، ومِنْ مجيئه بمعنى النفي أيضاً قولُه:
2454 ـ فهذي سيوفٌ يا صُدَيُّ بنَ مالكٍ   كثيرٌ ولكن كيف بالسيفِ ضاربُ
أي: ليس ضاربٌ بالسيف.

قوله: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ } فيه وجهان أحداهما: أنه استثناءٌ منقطع أي: لكن الذين عاهدتم فإنَّ حُكْمَهم كيت وكيت. والثاني: أنه متصلٌ وفيه حينئذٍ احتمالان، أحدهما: أنه منصوبٌ على أصل الاستثناء من المشركين. والثاني: أنه مجرورٌ على البدل منهم، لأنَّ معنى الاستفهامِ المتقدمِ نفيٌ، أي: ليس يكونُ للمشركين عهدٌ إلا للذين لم ينكُثوا. فقياسُ قولِ أبي البقاء فيما تقدَّم أن يكون مرفوعاً بالابتداء، والجملةُ من قوله " فما استقاموا " خبرُه.

قوله: { فَمَا } يجوز في " ما " أن تكونَ مصدريةً ظرفيةً، وهي في محلِّ نصبٍ على ذلك أي: فاستقيموا لهم مدةَ استقامتِهم لكم. ويجوز أن تكونَ شرطيةً، وحينئذٍ ففي محلِّها وجهان، أحدهما: أنها في محلِّ نصبٍ على الظرف الزماني، والتقدير: أيَّ زمانٍ استقاموا لكم فاستقيموا لهم. ونظَّره أبو البقاء بقولِه تعالى:

السابقالتالي
2