الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } * { إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ فَيُنَبِّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

قرأ السوسي، وابن فرج، وهبة عن الاخفش والترمذي إلا ابن فرج، ومدين من طريق عبد الله بن سلام، والبرجمي وخلف - بضم الهاء ووصلها بواو في اللفظ. الباقون - بضم الهاء من غير اشباع -

وهذا خطاب من الله تعالى لجميع خلقه من البشر، يقول لهم على وجه تعداد نعمه عليهم وامتنانه لديهم { هو الذي خلقكم من نفس واحدة } يعني آدم لأن جميع البشر من نسل آدم.

وقوله { ثم جعل منها زوجها } قيل: أنه خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم. وقال قوم: خلقها من فضل طينته. وفى قوله { ثم جعل منها زوجها } و (ثم) تقتضي التراخي والمهملة، وخلق الوالدين قبل الولد، وذلك يقتضي أن الله تعالى خلق الخلق من آدم ثم بعد ذلك خلق حواء، وذلك بخلاف المعلوم، لأن خلق حواء كان قبل خلق ولد آدم، فيه ثلاثة اقوال:

احدها - ان الله تعالى أخرج ذرية آدم من ظهره كالذر. ثم خلق بعد ذلك حواء من ضلع من اضلاع آدم - على ما روي في الاخبار - وهذا ضعيف لما بيناه في غير موضع في ما مضى.

والثاني - ان ذلك وإن كان مؤخراً في اللفظ فهو مقدم في المعنى، ويجري مجرى قول القائل: قد رأيت ما كان منك اليوم ثم ما كان منك أمس، وإن كان ما كان امس قبل ما يكون اليوم.

والثالث - انه معطوف على معنى واحدة كأنه قال من نفس واحدة بمعنى اوجدها.

وقيل: إنه لا يمتنع أن يكون المراد بقوله { زوجها } غير حواء، بل يريد المزدوج من نسل آدم من الذكور والاناث، فكأنه قال تعالى { هو الذي خلقكم من نفس واحدة } وهي آدم عليه السلام ثم جعل المزدوج من نسل هذه النفس، وهذا لا محالة متأخر عن خلق النفس الواحدة التى هي آدم. وقيل ايضاً: إن سبب دخول (ثم) أن الاعتداد بهذه النعمة، والذكر لها على الامتنان، انما كان بعد ذكر خلقنا من نفس واحدة، فكأنه قال: هو الذي ذكر لكم واعتد عليكم بأنه خلقكم من نفس واحدة، ثم عطف على هذا الاعتداد والامتنان ذكر نعمة اخرى، وهي ان زوج هذه النفس المخلوقة مخلوقة منها. فزمان الخلق المزوج وإن كان متقدماً، فزمان ذكره والاعتداد به متزاوج، وزمان الذكر للنعم والاعتداد بها غير الترتيب في زمان الايجاد والتكوين، كما يقول احدنا لغيره: لي عليك من النعم كذا اليوم، ثم كذا امس، وإن كان المعطوف متقدماً على المعطوف عليه إذا كان زمان الامتنان بذلك على خلاف ترتيب زمان ايصال النعم. وقيل: إن المراد بـ (ثم) الواو، فانه قد يستعمل الواو بمعنى (ثم) و (ثم) بمعنى الواو، لأن معنى الجمع الانضمام، وإن أراد بعضه على بعض.

السابقالتالي
2