الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً }

اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي أشير إلـيه بقوله «هذه»، فقال بعضهم: أشير بذلك إلـى النعم التـي عدّدها تعالـى ذكره بقوله:وَلَقَدْ كَرَّمنا بَنِـي آدَمَ وَحَملناهُمْ فِـي البَرّ والبَحرِ وَرَزَقناهُمْ مِنَ الطَّيِّبـاتِ وَفَضَّلناهُمْ علـى كَثِـيرٍ مِـمَّنْ خَـلَقْنا تَفَضِيلاً } فقال: { وَمَنْ كانَ فِـي هَذِهِ أعمَى فَهُوَ فِـي الآخِرَةِ أعْمَى وأضَلُّ سَبِـيلاً }. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: ثنا عبد الأعلـى، قال: ثنا داود، عن مـحمد بن أبـي موسى، قال: سئل عن هذه الآية { وَمَنْ كانَ فِـي هذِهِ أعمَى فَهُوَ فِـي الآخِرَةِ أعمَى وأضَلُّ سَبِـيلاً } فقال: قالوَلَقد كَرَّمنا بَنِـي آدَمَ وَحَمَلناهُمْ فِـي البَرّ والبَحرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبـاتِ وَفَضَّلْناهُمْ علـى كَثِـيرٍ مِـمَّنْ خَـلَقْنا تَفْضِيلاً } قال: من عمي عن شكر هذه النعم فـي الدنـيا، فهو فـي الآخرة أعمى وأضلّ سبـيلاً. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومن كان فـي هذه الدنـيا أعمى عن قدرة الله فـيها وحججه، فهو فـي الآخرة أعمى. ذكر من قال ذلك: حدثنـي علـيّ بن داود، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { وَمَنْ كانَ فِـي هَذِهِ أعْمَى } يقول: من عمي عن قُدرة الله فـي الدنـيا { فَهُوَ فِـي الآخِرَةِ أعْمَى }. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد { فـي هَذِهِ أعْمَى } قال: الدنـيا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَمَنْ كانَ فِـي هَذِهِ أعْمَى فَهُوَ فِـي الآخِرَةِ أعْمَى } يقول: من كان فـي هذه الدنـيا أعمى عما عاين فـيها من نعم الله وخـلقه وعجائبه { فَهُوَ فِـي الآخَرَةِ أعْمَى وأضَلُّ سَبِـيلاً } فـيـما يغيب عنه من أمر الآخرة وأعمى. حدثنا مـحمد، قال: ثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة { وَمَنْ كانَ فِـي هَذِهِ أعْمَى } فـي الدنـيا فـيـما أراه الله من آياته من خـلق السموات والأرض والـجبـال والنـجوم { فَهُوَ فِـي الآخِرَةِ } الغائبة التـي لـم يرها { أعْمى وأضَلُّ سَبِـيلاً }. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وسئل عن قول الله تعالـى { وَمَنْ كانَ فِـي هَذِهِ أعْمَى فَهُوَ فِـي الآخِرَةِ أعْمَى وأضَلُّ سَبِـيلاً } فقرأ:إنَّ فِـي السَّمَوَاتِ والأرْضِ لآياتٍ للْـمُؤْمِنِـينَ وفِـي أنْفُسِكُمْ أفَلا تُبْصِرُونَ } وقرأ:وَمِنْ آياتِهِ أنْ خَـلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إذَا أنْتُـمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ } ، وقرأ حتـى بلغ:وَلَهُ مَنْ فِـي السَّمَوَاتِ والأرْضِ كُلّ لَهُ قانِتُونَ } قال: كلّ له مطيعون، إلا ابن آدم. قال: فمن كان في هذه الآيات التـي يعرف أنها منا، ويشهد علـيها وهو يرى قدرتنا ونعمتنا أعمى، فهو فـي الآخرة التـي لـم يرها أعمى وأضلّ سبـيلاً.

السابقالتالي
2