الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }

{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ } أي من جنسكم ونوعكم وهو مجاز في ذلك، والأشهر من معاني النفس الذات ولا يستقيم هنا كغيره فلذا ارتكب المجاز وهو إما في المفرد أو الجمع، واستدل بذلك بعضهم على أنه لا يجوز للإنسان أن ينكح من الجن { أَزْوٰجاً } لتأنسوا بها وتقيموا بذلك مصالحكم ويكون أولادكم أمثالكم. وأخرج غير واحد عن قتادة أن هذا خلق آدم وحواء عليهما السلام فإن حواء خلقت من نفسه عليه السلام، وتعقب بأنه لا يلائمه جمع الأنفس والأزواج، وحمله على التغليب تكلف غير مناسب للمقام، وكذا كون المراد منهما بعض الأنفس وبعض الأزواج { وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوٰجِكُم } أي منها فوضع الظاهر/ موضع الضمير للإيذان بأن المراد جعل لكم منكم من زوجه لا من زوج غيره { بَنِيـٰنَ } وبأن نتيجة الأزواج هو التوالد { وَحَفَدَةً } جمع حافد ككاتب وكتبة، وهو من قولهم: حفد يحفد حفداً وحفوداً وحفداناً إذا أسرع في الخدمة والطاعة، وفي الحديث " إليك نسعى ونحفد " وقال جميل:
حفد الولائد حولهن وأسلمت   بأكفهن أزمة الأجمال
وقد ورد الفعل لازماً ومتعدياً كقوله:
يحفدون الضيف في أبياتهم   كرماً ذلك منهم غير ذل
وجاء في لغة ـ كما قال أبو عبيدة ـ أحفد أحفاداً، وقيل: الحفد سرعة القطع، وقيل: مقاربة الخطو، والمراد بالحفدة على ما روي عن الحسن والأزهري وجاء في رواية عن ابن عباس واختاره ابن العربـي أولاد الأولاد، وكونهم من الأزواج حينئذٍ بالواسطة، وقيل: البنات عبر عنهن بذلك إيذاناً بوجه المنة فإنهن في الغالب يخدمن في البيوت أتم خدمة، وقيل: البنون والعطف لاختلاف الوصفين البنوة والخدمة، وهو منزل منزلة تغاير الذات، وقد مر نظيره فيكون ذلك امتناناً بإعطاء الجامع لهذه الوصفين الجليلين فكأنه قيل: وجعل لكم منهن أولاداً هم بنون وهم حافدون أي جامعون بين هذين الأمرين، ويقرب منه ما روي عن ابن عباس من أن البنين صغار الأولاد والحفدة كبارهم، وكذا ما نقل عن مقاتل من العكس، وكأن ابن عباس نظر إلى أن الكبار أقوى على الخدمة ومقاتل نظر إلى أن الصغار أقرب للانقياد لها وامتثال الأمر بها واعتبر الحفد بمعنى مقاربة الخط، وقيل: أولاد المرأة من الزوج الأول، وأخرجه ابن جرير وابن أبـي حاتم عن ابن عباس. وأخرج الطبراني والبيهقي في " سننه " والبخاري في " تاريخه " والحاكم وصححه عن ابن مسعود أنهم الأختان وأريد بهم ـ على ما قيل ـ أزواج البنات ويقال لهم أصهار، وأنشدوا:
فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت   لها حفد مما يعد كثير
ولكنها نفس على أبية   عيوني لأصهار اللئام تدور

السابقالتالي
2 3 4