الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ }

قد أجمل الله تعالى ها هنا ذكر منافع الحيوان لظهورها على البصير المتأمل وإن غفل عنها الأكثرون، ولهذا فصّلها في موضع آخر بقوله:وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً } [النحل:80] الآية.

وقوله: أفلا يشكرون - أي: أفلا يعرفون نعمة الله ليدَّبَّروا آياته وليتذكر أولوا الألباب؟ أفلا ينظرون في بدائع حكمة الله وآثار قدرته وجوده في هذه المخلوقات ومنافعها، ليدّبروا في عظمة خالقها وصانعها، ليعرفوا ذاته وصفاته والهيته وحكمته وقدرته ولطفه وجوده، وتخلصوا من عذاب جهنم ونار القطيعة والطرد.

فمن منافعها وفوائدها التي لو نظر إليها الإنسان بعين التدبر - لا بعين الغفلة والعادة - لأكثر التعجب من حكمة خالقها ومصورها، هي جلودها وأصوافها وأوبارها وأشعارها، التي خلقها الله لباساً لخلقه، وأكناناً لهم في ظَعْنهم وإقامتهم، وآنية لاشربتهم، وأوعية لأغذيتهم، وصواناً لأقدامهم، كما جعل ألبانها ولحومها أغذية لهم.

ومن فوائدها جعل بعضها زينة للركوب، وبعضها حاملة للأثقال وقاطعة للبوادي، إلى غير ذلك من آثار نعم الله الجليلة والدقيقة فيها ومنافعها الكثيرة التي خلقت لأجلها ولأجل غيرها.

ومعظم منافعها أنها مواضع حكمة الله لمن تدبر فيها، ومحّال الشكر على نعم الله لمن قدر على الشكر له، وإنها أسباب اهتداء الإنسان إلى معرفة خالقه ورازقه إذا نظر وتأمل في دقائق النعمة وبدائع الصنعة المودعة فيها، فعلم من آثار اللطف والرحمة على ما قضى العجب من الحكمة، حامداً لله البارئ الحكيم، وشاكراً على نعماء الجواد الرحيم، حسبما أمر به وحثّ عليه بقوله: { أَفَلاَ يَشْكُرُونَ }.

ومن نظر في خلقة واحد صغير من الحيوانات، لعلم من صنائع جود الله وآثار حكمته فيه ما يعجز عن وصفه ويكلّ عن الإحاطة به، إذ ما من حيوان - صغير ولا كبير - إلاّ وفيه من العجائب ما لا يحصى، بل لو أردنا أن نذكر عجائب البقّة أو النملة أو النحل أو العنكبوت - وهي من صغار الحيوانات - في بناء بيتها، وفي جمع غذائها، وفي ألفها لزوجها، وفي إدخارها لنفسها، وفي حذقها في هندسة بيتها، وفي هدايتها إلى حاجتها، لم نقدر.

فانظر إلى النحل ومسدساتها، وإلى اهتدائها وتفطنّها بوحي الله إليها في اتخاذ بيوتها من الجبال ومن الشجر ومما يعرشُون، ثم اهتدائها إلى بناء بيوتها على وضع الأشكال المناسبة لأبدانها، وحيث لم يمكن في أفضل الأشكال ترامي (تراخي) بعضها لبعض من غير فرجة وفصل، تحرّت من الأشكال إلى ما هي الأشبه بالاستدارة - وهي المسدسات - لكون مساحتها كمساحة الدائرة، حاصلة من تربيع نصف قطرها في نصف محيطها، وليس غير المسدس من المضلعات هكذا، فسبحان من هداها من المعرفة والقياس ما لم يصل إليها فَهْمُ كثير من الناس.

السابقالتالي
2 3