الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ } * { أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ } * { نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

{ أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ } تقدحونها وتخرجونها من الزناد.

قال الزجاج: يقال: وَرَى الزند يَرِي فهو وَارٍ؛ إذا انقدحت منه النار، وأوْرَيْتُ النار؛ إذا قدحتها. والعرب تَقْدَحُ بالزَّند والزَّندة، وهو خشب يُحَكُّ بعضه على بعض، فتخرج منه النار، وهذا قول ابن قتيبة أيضاً وعامة أهل اللغة والتفسير.

{ أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ } وهي المَرْخ والعَفَار، وفي كل شجر نار.

وروى أبو صالح عن ابن عباس: أن المراد بشجرتها: الحديد.

{ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً } تذكيراً لنار جهنم وأنموذجاً لها.

أنبأنا أبو علي بن عبدالله المذكّر قال: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبدالواحد، أخبرنا الحسن بن علي [الواعظ]، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر، أخبرنا عبدالله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا عبدالرزاق، حدثنا معمر، عن همام، حدثنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نارُكم هذه ما يوقد بنو آدم جزءٌ واحد من سبعين جزءاً من حر جهنم. قالوا: والله إن كانت لكافيةً يا رسول الله. قال: فإنها فَضَلَتْ عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرّها " أخرجاه في الصحيحين.

قوله تعالى: { وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ } أي: ومنفعة للذين ينزلون القَواء، وهي القفْر والأرض الخالية.

ومنه قول النابغة:
........................     أقوتْ وطَالَ عليها سالفُ الأبد
وهذا قول ابن عباس وقتادة والضحاك.

قال بعض العلماء: المسافر أشدّ حاجةً إليها من المقيم؛ لأنه إذا أوقدها هربت منه السّباع، واهتدى بها الضّالّ، واصْطَلَى بها في شدة البرد.

وقال مجاهد: متاعاً للمسافرين [والحاضرين].

ولعمري إنها كذلك، ولكن الاشتقاق لا يساعده على هذا، اللهم إلا أن يكون مثل قوله:سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [النحل: 81].

وقال الربيع والسدي: متاعاً للمُرْمِلين المُقْوين الذين لا زاد معهم، يوقدون ناراً فيختبزون بها.

وقال ابن زيد: " للمقوين ": للجائعين. تقول: أقْوَيْتُ من كذا وكذا؛ إذا لم تأكل شيئاً.

وقال قطرب وغيره من أهل اللغة والواحدي: المُقْوي من الأضداد، يكون بمعنى: الفقير، ويكون بمعنى: الغني. ويقال: أقوى الرجل؛ إذا قوي على ما يريد، وأقوى: إذا افتقر وخلا من المال.

قال الواحدي: فالمعنى: ومتاعاً للأغنياء والفقراء، وذلك أنه لا غنى لأحد عنها.

وهذا القول من الواحدي فيه إشعار أن اللفظة الواحدة تُستعمل في الشيء وضده في حالة واحدة، وهذا لا يجوز، فإنه لا يسوغ أن تُطلق القُرْء وأنت تريد به: الحيض والطهر.

قوله تعالى: { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } أي: نَزِّه ربك مما يقولون.

أمر الله تعالى نبيه بالتسبيح شكراً له على ما فضّله من ذكر نعمه ودلائل وحدانيته وقدرته على البعث.