الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً }

{ إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ } أي: ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات، يريد عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. (والضعف) عبارة عن أن يضم إلى الشيء مثله، ودل على إضمار العذاب، وصف العذاب بالضعف في كثير من الآيات. كقوله تعالى:رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي ٱلنَّارِ } [ص: 61] وقال:لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } [الأعراف: 38] والسبب في تضعيف العذاب؛ أن أقسام نعم الله على الأنبياء أكثر. فكانت ذنوبهم أعظم. فكانت العقوبة المستحقة عليها أكثر. ونظيره قوله تعالى:يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } [الأحزاب: 30].

تنبيهات

الأول: قال القفال رحمه الله (بعد ذكره ما روي في سبب نزولها مما قدمناه): ويمكن أيضاً تأويلها من غير تقييد بسبب يضاف نزولها فيه؛ لأن من المعلوم أن المشركين كانوا يسعون في إبطال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقصى ما يقدرون عليه. فتارة كانوا يقولون: إن عبدت آلهتنا عبدنا إلهك. فأنزل الله تعالى:قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } [الكافرون: 1-2] وقوله:وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [القلم: 9] وعرضوا عليه الأموال الكثيرة والنساء الجميلة ليترك ادعاء النبوة. فأنزل الله تعالى:وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } [طه: 131] ودعوه إلى طرد المؤمنين عن نفسه فأنزل الله تعالى قوله:وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } [الأنعام: 52] فيجوز أن تكون هذه الآيات نزلت في هذا الباب. وذلك أنهم قصدوا أن يفتنوه عن دينه، وأن يزيلوه عن منهجه. فبين تعالى أنه يثبته على الدين القويم والمنهج المستقيم. وعلى هذا الطريق، فلا حاجة في تفسير هذه الآيات، إلى شيء من تلك الروايات. والله أعلم.

الثاني: قال القاضي: معنى قوله تعالى:وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ... } [الإسراء: 74] الآية، إنك كنت على صدد الركون إليهم، لقوة خداعهم وشدة احتيالهم. لكن أدركتك عصمتنا فمنعت أن تقرب من الركون، فضلاً عن أن تركن إليهم. وهو صريح في أنه عليه الصلاة والسلام ما همّ بإجابتهم، مع قوة الداعي إليها. ودليل على أن العصمة بتوفيق الله وحفظه.

الثالث: قال الزمخشريّ: في ذكر الكيدودة وتقليلها، مع اتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين دليل بين على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله وارتفاع منزلته. وفيه دليل على أن أدنى مداهنة للغواة، مضادة لله وخروج عن ولايته، وسبب موجب لغضبه ونكاله. فعلى المؤمن، إذا تلا هذه الآية أن يجثو عندها ويتدبرها. فهي جديرة بالتدبر. وبأن يستشعر الناظرُ فيها الخشيةُ وازدياد التصلب في دين الله.

الرابع: جاء في (حواشي جامع البيان) ما مثاله بالحرف: من الفوائد الجليلة في هذه الآية، أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك، بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً. فإنها شعائر الكفر والشرك.

السابقالتالي
2