الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ }

قوله: { أَن تَسْجُدَ }: قد يَسْتَدِلُّ به مَنْ يَرَى أنَّ " لا " فيأَلاَّ تَسْجُدَ } [الأعراف: 12] في السورةِ الأخرى زائدةٌ؛ حيث سقطَتْ هنا والقصةُ واحدةٌ. وقوله: " لما خَلَقْتُ " قد يَسْتَدِلُّ به مَنْ يرى جوازَ وقوع " ما " على العاقل؛ لأنَّ المرادَ به آدمُ. وقيل: لا دليلَ فيه؛ لأنه كان فَخَّاراً غيرَ جسمٍ حَسَّاسٍ فأشير إليه في تلك الحال. وقيل: " ما " مصدريةٌ والمصدرُ غيرُ مُرادٍ، فيكون واقعاً موقعَ المفعولِ به أي: لمخلوقي.

وقرأ الجحدري " لَمَّا " بتشديدِ الميمِ وفتحِ اللامِ، وهي " لَمَّا " الظرفيةُ عند الفارِسيِّ، وحرفُ وجوبٍ لوجوبٍ عند سيبويه. والمسجود له على هذا غيرُ مذكورٍ أي: ما مَنَعَك من السجود لَمَّا خلقْتُ أي: حين خَلَقْتُ لِمَنْ أَمَرْتُك بالسجود له. وقُرِئ " بيَدَيِّ " بكسرِ الياءِ كقراءةِ حمزةَ " بِمُصْرِخِيِّ " وقد تقدَّم ما فيها. وقُرِئ " بيدي " بالإِفرادِ.

قوله: " أسْتَكْبَرْت " قرأ العامَّةُ بهمزةِ الاستفهام وهو استفهامُ توبيخٍ وإنكارٍ. و " أم " متصلةٌ هنا. هذا قولُ جمهورِ النحويين. ونقل ابنُ عطيةَ عن بعضِ النحويين أنها لا تكونُ معادِلَةً للألفِ مع اختلافِ الفعلَيْن، وإنما تكونُ معادِلةً إذا دَخَلَتا على فِعْلٍ واحد كقولِك: أقامَ زيدٌ أم عمروٌ، وأزيدٌ قام أم عمروٌ؟ وإذا اختلف الفعلان كهذه الآيةِ فليسَتْ معادِلةً. وهذا الذي حكاه عن بعض النحويين مَذْهَبٌ فاسِدٌ، بل جمهورُ النحاةِ على خلافِه قال سيبويه: " وتقول: " أضرَبْتَ زيداً أمْ قَتَلْتَه؟ " فالبَدْءُ هنا بالفعل أحسنُ؛ لأنك إنما تَسْأل عن أحدِهما لا تدري أيهما كان؟ ولا تَسْأَلُ عن موضعِ أحدِهما كأنك قلت: أيُّ ذلك كان " انتهى. فعادل بها الألفَ مع اختلافِ الفعلين.

وقرأ جماعةٌ - منهم ابنُ كثير، وليسَتْ مشهورةً عنه - " استكبَرْتَ " بألف الوصلِ، فاحتملَتْ وجهين، أحدهما: أنْ يكونَ الاستفهامُ مُراداً يَدُلُّ عليه " أم " كقولِه:
3879 ـ...........................   بسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْرَ أم بثمانِ
وقول الآخر:
3880 ـ ترُوْحُ من الحَيِّ أم تَبْتَكِرْ   .............................
فتتفق القراءتان في المعنى، واحتمل أَنْ يكونَ خبراً مَحْضاً، وعلى هذا فأم منقطعةٌ لعدمِ شَرْطِها.