الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }

{ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } لما ذكر تعالى، قبلُ، كيد المشركين وكيدودتهم استفزازه من الأرض، أمره بأن يستعين بإقامة الصلوات والإقبال على عبادته تعالى، والابتهال إليه على دفع كيدهم ومكرهم، وتأييده عليهم. ونظيره قوله تعالى:وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } [الحجر: 97-98] وقوله:فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ } [طه: 130] وقوله:وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ } [البقرة: 45] هذا من حيث نظم الآية مع ما قبلها. وأما معناها، فقوله: { لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ } أي: لزوالها. قال ابن تيمية: الدلوك الزوال عند أكثر السلف وهو الصواب. واللام للتأقيت. أي: بيان الوقت بمعنى (بعد) وتكون بمعنى (عند) أيضاً. وقيل: للتعليل؛ لأن دخول الوقت سبب لوجوب الصلاة. وأما: { غَسَقِ ٱلَّيلِ } ، فهو اجتماع الليل وظلمته. وأما { قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ }. فهو صلاة الصبح. سميت قرآنا لأنه ركنها. كما سميت ركوعاً وسجوداً. فهو من تسمية الكل باسم جزئه المهمّ. فيدل على وجوب القراءة فيها صريحاً، وفي غيرها بدلالة النص والقياس. ومعنى: { مَشْهُوداً } يشهده ملائكة الليل والنهار. ينزل هؤلاء ويصعد هؤلاء. فهو في آخر ديوان الليل وأول ديوان النهار. أو يشهده الكثير من المصلين في العادة! ومن حقه أن يكون مشهوداً بالجماعة الكثيرة. والأكثرون على أن قوله تعالى: { وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ } منصوب بالعطف على (الصلاة) أي: وأقم صلاة الفجر. وجوَّز بعض النحاة نصبه على الإغراء. أي: وعليك قرآن الفجر أو الزم.

تنبيهات

الأول: هذه الآية جامعة للصلوات الخمس ومواقيتها، فدلوك الشمس يتناول الظهر والعصر تناولا واحداً. وغسق الليل يتناول المغرب والعشاء تناولاً واحداً وقرآن الفجر هي صلاة مفردة لا تجمع ولا تقصر. قيل: هذا يقتضي أن يكون الدلوك مشتركا بين الظهر والعصر. والغسق مشتركا بين المغرب والعشاء. فيدل على جواز الجمع مطلقاً بين الأولين، وكذا بين الأخيرين. فالجواب: هو كذلك بعذر السفر أو المطر ونحوها. وأما في غيرها فلا. وذلك لما بينته السنة من فعل كل واحدة في الوقت الخاص بها، إلا بعذر. قال الحافظ ابن كثير: قد بينت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تواترا من أفعاله وأقواله، تفاصيل هذه الأوقات على ما عليه أهل الإسلام اليوم، مما تلقوه خلفا عن سلف، وقرنا بعد قرن، كما هو مقرر في مواضعه.

وقال العلامة أبو السعود: ليس المراد إقامتها فيما بين الوقتين على وجه الاستمرار، بل إقامة كل صلاة في وقتها الذي عين لها ببيان جبريل عليه السلام. كما أن أعداد ركعات كل صلاة موكولة إلى بيانه عليه السلام.

السابقالتالي
2 3 4 5 6