الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ }

{ قل } يا محمد تبكيتا لذلك الانسان المنكر بتذكير ما نسيه من فطرة الدالة على حقيقة الحال وارشاده الطريقة للاستشهاد بها { يحييها } اى تلك العظام { الذى أنشأها } اوجدها { اول مرة } اى فى اول مرة ولم تكن شيئا فان قدرته كما هى لاستحالة التغير فيها والمادة على حالها فى القابلية اللازمة لذاتها وهو من النصوص القاطعة الناطقة بحشر الاجساد استدلالا بالابتداء على الاعادة وفيه رد على من لم يقل به وتكذيب له { وهو } اى الله المنشئ { بكل خلق عليم } مبالغ فى العلم بتفاصيل كيفيات الخلق والايجاد انشاء واعادة محيط بجميع الاجزاء المتفتتة المتبددة لكل شخص من الاشخاص اصولها وفروعها واوضاع بعضا من بعض من الاتصال والانفصال والاجتماع والافتراق فيعيد كلا من ذلك على النمط السابق مع القوى التى كانت قبل. وفى بحر العلوم بليغ العلم بكل شئ من المخلوقات لا يخفى عليه شئ من الاجزاء المتفتتة واصولها وفروعها فاذا اراد ان يحيى الموتى يجمع اجزاءهم الاصلية ويعيد الارواح اليها ويحيون كما كانوا احياء وهو معنى حشر الاجساد والارواح وبعث الموتى. قال القاضى عضد الدين فى المواقف هل يعدم الله الاجزاء البدنية ثم يعيدها او يفرقها ويعيد فيها التأليف والحق انه لم يثبت ذلك ولا نجزم فيه نفيا ولا اثباتا لعدم الدليل على شئ من الطرفين وقوله تعالىكل شئ هالك الا وجهه } لا يرجح احد الاحتمالين لان هلاك الشئ كما يكون باعدام اجزائه يكون ايضا بتفريقها وابطال منافعها انتهى. فالجسم المعاد هو المبتدأ بعينه اى بجميع عوارضه المشخصة سواء قلنا ان المبتدأ قد فنى بجميع اعضائه وصار نفيا محضا وعدما صرفا ثم انه تعالى اعاده باعادة اجزائه الاصلية وصفاته الحالية فيها او قلنا ان المبتدأ قد فنى بتفرق اجزائه الاصلية وبطلان منافعها ثم انه تعالى الف بين الاجزاء المتفرقة وضم بعضها الى بعض على النمط السابق وخلق فيها الحياة. واعلم ان المنكرين للحشر منهم من لم يذكر فيه دليلا ولا شبهة بل اكتفى بمجرد الاستبعاد وهم الاكثرون كقولهمءَإذا ضللنا فى الارض ائنا لفى خلق جديد } وقولهمائذا متنا وكنا ترابا وعظاما ائنا لمبعوثون } ومن قالمن يحيى العظام وهى رميم } قاله على طريق الاستبعاد فابطل الله استبعادهم بقوله { ونسى خلقه } اى نسى انا خلقناه من تراب ثم من نطفة متشابهة الاجزاء ثم جعلنا له من ناصيته الى قدمه اعضاء مختلفة الصور وما اكتفينا بذلك حتى اودعناه ما ليس من قبيل هذه الاجرام وهو النطق والعقل اللذان بهما استحق الاكرام فان كانوا يقنعون بمجرد الاستبعاد فهلا يستبعدون خلق الناطق العاقل من نطفة قذرة لم تكن محلا للحياة اصلا ويستبعدون اعادة النطق والعقل الى محل كانا فيه.

السابقالتالي
2