الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } أي: لمكان غرورهم وجهلهم وشدة ارتيابهم.

تنبيهان

الأول: قال ابن جرير: عني بهذه الآيات كلها - فيما ذكر - عبد الله بن أبيّ بن سلول. " وذلك أنه قال لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينفضوا. وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فسمع بذلك زيد بن أرقم، فأخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عما أخبر به عنه، فحلف أنه ما قال! وقيل له: لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته أن يستغفر لك، فجعل يلوي رأسه ويحركه استهزاء، ويعني بذلك أنه غير فاعل ما أشاروا به عليه، فأنزل الله عز وجل فيه هذه السورة من أولها إلى آخرها ".

ثم أورد ابن جرير الروايات في ذلك، وتقدمه الإمام البخاريّ، فأسندها من طرق. ويجمعها كلها ما رواه ابن إسحاق في غزوة بني المصطلق: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيهم على ماء لهم يقال له: (المريسيع) وأظفره الله بهم. قال: فبينا الناس على ذلك الماء، وردت واردة الناس، ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار، يقال له: (جهجاه)، يقود فرسه. فازدحم جهجاه وسنان الجهنيّ حليف بني عوف بن الخزرج، على الماء فاقتتلا، فصرخ الجهنيّ: يا معشر الأنصار، وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين، فغضب عبد الله بن أبيّ ابن سلول، وعنده رهط من قومه، فيهم زيد بن أرقم، غلام حدَث، فقال: أو قد فعلوها؟! قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا! والله! ما أَعُدُّنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك! أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. ثم أقبل على من حضر من قومه فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم! أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم. أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم، لتحولوا إلى غير داركم. فسمع ذلك زيد ابن أرقم، فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك عند فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوّه، فأخبره الخبر، وعنده عمر بن الخطاب. فقال: مُرْ به عباد بن بشر فليقتله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فكيف يا عمر، إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه؟ لا! ولكن أذِّن بالرحيل " ، في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها. فارتحل الناس، وقد مشى عبد الله بن أبيّ بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه، فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به. وكان في قومه شريفاً عظيما. فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار من أصحابه: يا رسول الله، عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قاله الرجل - حَدَبا على ابن سلول ودفعاً عنه.

قال ابن إسحاق: فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقيه أسيد بن حضير، فحياه بتحية النبوة، وسلم عليه، ثم قال: يا نبي الله، والله لقد رحت في ساعة منكرة، ما كنت تروح في مثلها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟ " قال: وأي صاحب يا رسول الله؟ قال: " عبد الله بن أبيّ! " قال: وما قال؟ قال: " زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل "! قال: فأنت يا رسول الله، والله، تخرجه منها إن شئت. هو والله، الذليل وأنت العزيز. ثم قال: يا رسول الله! ارفق به. فوالله لقد جاءنا الله بك، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا، ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومهم ذلك، حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مسّ الأرض، فوقعوا نياماً. وإنما فعل ذلك رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي. ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، وقدم المدينة، ونزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين، في ابن أبيّ، ومن كان على مثل أمره، فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن زيد بن أرقم، ثم قال: " هذا الذي أوفى لله بأذنه "

السابقالتالي
2 3