الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } * { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله: { هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ }.

قد تقدم سببُ النزول، وأن ابن أبي قال: لا تنفقوا على من عند محمد " حتى ينفضوا " أي يتفرقوا عنه، فأعلمهم الله سبحانه وتعالى أن خزائن السماوات والأرض له ينفق كيف يشاء.

قال رجل لحاتم الأصم: من أين تأكل؟ فقال: { وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ }.

وقال الحسن: " خزائنُ السماوات " الغُيوبُ، وخزائنُ الأرضِ القلوبُ، فهو علاَّمُ الغيوب ومُقلبُ القُلوبِ.

قوله: { يَنفَضُّواْ }.

قرأ العامَّةُ: " ينفضُّوا " من الانفضاضِ وهو التفرقُ.

وقرأ الفضلُ بن عيسى الرقاشي: " يُنْفِضُوا " من أنفض القوم، فني زادهم.

ويقال: نفض الرجل وعاءه من الزاد فانفضَّ.

فيتعدى دون الهمزة ولا يتعدى معها، فهو من باب " كَبَبتهُ فانْكَبَّ ".

قال الزمخشري: وحقيقته جاز لهم أن ينفضوا مزاودهم.

ثم قال تعالى: { وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } أنه إذا أراد أمراً يسره.

قوله: { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ }.

القائل ابن أبيّ، كما تقدم.

وقيل: إنه لما قال: { لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } ورجع إلى المدينة لم يلبث إلا أياماً يسيرة حتى مات، فاستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم وألبسه قميصه، فنزل قوله: { لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ }.

وروي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سَلُولَ قال لأبيه: والله الذي لا إله إلا هو لا تدخل المدينة حتى تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأعزُّ وأنا الأذلُّ، فقاله.

توهموا أن العزة لكثرةِ الأموال والأتباعِ فبيَّن اللَّهُ - تعالى - أنَّ العزَّة والمنَعَة والقُوَّة لله.

قوله: { لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ }.

قرأ العامَّةُ: بضم الياء وكسر الراء مسنداً إلى " الأعزّ " و " الأذلّ " مفعول به، والأعزُّ بعضُ المنافقين على زعمه.

وقرأ الحسن وابنُ أبي عبلة والمسيبي: " لنُخْرجَنَّ " بنون العظمة، وبنصب " الأعزَّ " على المفعول به، ونصب " الأذَلَّ " على الحالِ.

وبه استشهد من جوز تعريفها.

والجمهور جعلوا " أل " مزيدة على حدّ " أرسلها العراك " و " ادخلوا الأول فالأول ".

وجوَّز أبو البقاء: أن يكون منصوباً على المفعولِ، وناصبه حال محذوفةٌ، أي: مشبهاً الأذلَّ.

وقد خرجه الزمخشري على حذف مضافٍ، أي: خروج الأول أو إخراج الأول.

يعني بحسب القراءتين من " خرج وأخرج " فعلى هذا ينتصب على المصدر لا على الحال.

ونقل الدَّاني عن الحسن أيضاً: " لنخرُجَنَّ " بفتح نون العظمة وضم الراء، ونصب " الأعزَّ " على الاختصاص كقولهم: " نحن العرب أقرى النَّاس للضيفِ " و " الأذلَّ " نصب على الحال أيضاً.

السابقالتالي
2