الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً }

قوله: { تَبْتِيلاً }:مصدرٌ على غير الصدرِ وهو واقعٌ موقعَ التَّبَتُّل؛ لأنَّ مصدرَ تَفَعَّل نحو: تَصَرَّفَ تَصَرُّفاً، وتكرَّمَّ تكرُّماً. وأمَّا التفعيلُ فمصدرُ فَعَّل نحو: صَرَّف تَصْرِيفاً. ومثلُه قولُ الشاعر:
4367ـ وقد تَطَوَّيْتُ انْطِواءَ الحِضْبِ   
فأوقعَ الانفعالَ مَوْقِعَ التَّفَعُّل. قال الزمخشري: " لأنَّ معنى تَبَتَّل: " بَتَّلَ نفسَه، فجيْءَ به على معناه مراعاةً لحَقِّ الفواصِل ". والتبتُّل: الانقطاعُ. ومنه " امرأة بتولٌ " ، أي: انقطَعَتْ عن النِّكاحِ، وبَتَلْتُ الحَبْلَ: قَطَعْتُه. قال الليث: البَتْلُ: تمييزُ الشيءِ من الشيءِ. وقالوا: " طَلْقَةٌ بَتْلَةٌ " ، و " هِبَةٌ بَتْلَةٌ " يعنونَ انقطاعها عن صاحبِها، فالتبتيلُ تَرْكُ النِّكاحِ، والزهدُ فيه. والمرادُ به في الآيةِ الكريمة الانقطاعُ إلى عبادةِ اللهِ تعالى دونَ تَرْكِ النكاحِ، وفي الحديث: " أنَّه نَهَى عن التبتُّل " ، أي: الانقطاع عن النِّكاح، ومنه سُمِّي الراهبُ " مُتَبتِّلاً " لانقطاعِه عن النكاحِ. قال امرؤ القيس:
4368ـ تُضِيْءُ الظلامَ بالعَشِيِّ كأنَّها   منارةُ مُمْسَى راهِبٍ مُتَبَتِّلِ