الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ }

اتّفق المفسرون على أن ذلك وصفُ المنافقين، وهم الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم.

واعلم أنّ الناس بحسب العاقبة، ستّة أصناف، لأنّهم إمّا سُعداءٌ؛ وهم أصحاب اليمين، وإما أشقياء وهم أصحاب الشمال، وإمّا السابقون المقرّبون. قال الله تعالى:وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } [الواقعة:7]. الآيات.

وأصحاب الشمال: إما المطرودون الذين حقّ عليهم القول، وهم أهل الظُّلمة والحجاب الكلّي، المختوم على قلوبهم أزلاً كما قال تعالى:وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } [الأعراف:179]، الآية.

وفي الحديث الإلٰهي الربّاني المتّفق عليه نقلاً: " هؤلاء خلقتهم للنار ولا أبالي ".

وأما المنافقون الذين كانوا مستعدّين بحسب الفطرة، قابلين للنور في الأصل والنشأة، لكن احتجبت قلوبُهم بالرَّيْن المستفاد من اكتساب الرذائل، وارتكاب المعاصي، ومباشرة الأعمال البهيميّة والسَّبُعية، ومزاولة المكائدة الشيطانيّة، حتى رسخت الهيئات الغاسقة والملكات المظلمة في نفوسهم، وارتكمت على أفئدتهم، فبقوا شاكّين حيارىٰ تائهين، قد حبطت أعمالهم، وانتكست رؤوسهم، فهم أشدّ عذاباً وأسوأ حالاً من الفريق الأوّل، لمنافاة مسكة استعدادهم لحالهم، والفريقان هم أهل الدنيا.

وأصحاب اليمين، إمّا أهل الفضل والثواب، الذين آمَنوا وعملوا الصالحات للجنّة، راجين لها راضين بها، فوجَدُوا ما عملُوا حَاضِراً على تفاوت درجاتهم ممّا عملوا.

ومنهم أهل الرحمة، الباقون على سلامة نفوسهم وصفاء قلوبهم، المتبوّئون درجات الجنّة على حسب استعداداتهم من فضل ربّهم، لا على حسب كمالاتهم من ميراث عملهم.

وإما أهل العفو، الذين خلَطُوا عَمَلاً صالحاً وآخرَ سّيئاً، وهما قسمان: المعفوّ عنهم رأساً لقوّة اعتقادهم، وعدم رسوخ سيّئاتهم لقلّة مزوالتهم ايّاها، أو لمكان توبتهم عنها:فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [الفرقان:70].

والمعذَّبون حيناً بحسب ما رسَخ فيهم من المعاصي، حتّى خلَصوا عن درنِ ما كسَبوا فنجَوا، وهم أهل العدل والعقاب، والذين ظلَموا مِنْ هؤلاءِ سَيصُيبُهمْ سيّئات ما كسَبوا، لكن الرحمة تتداركهم وتنالهم بالآخرة.

والسابقون وهم العرفاء بالله واليوم الآخر خاصّة امّا محبّون وإمّا محبوبون، فالمحبّون؛ هم الذين جاهَدوا في الله حقّ جهاده، وأنابوا اليه حقّ إنابته، فهداهم سبله.

والمحبوبون؛ هم أهل العناية الأزليّة، الذين اجتباهم وهداهم الى صراطٍ مستقيم. والصنفان هما أهل الله ومآلهما واحد، لأنّ أهل المحبّة الخاصّة ينجرّ سلوكهم بالأخرة الى الجذبة، ولهذا جعلناهما في التقسيم قسماً واحداً.

اذا علمت هذا، فاعلم أن الله سبحانه لما افتتح بشرح حال الكتاب، وأشار الى أنّه منزَل من عالَم الكرامة والغيب، مشتملٌ على العلوم التي لا تعتريها وصمةُ شكّ وريب، وموجب للهداية لمن وفّق له بالتقوى، وساقَ لبيانه ذكر المؤمنين الذين أخلصوا دينهم لله وواطأت فيه قلوبُهم ألسنتهم، واندرج فيهم الأقسام الخمسة، سوى الفريقين اللذين هما من قسم الأشقياء.

فإنّ القرآن ليس هدىً للفريق الأول من الأشقياء، لامتناع قبولهم للهداية، لعدم استعدادهم، ولا للثاني، لزوال استعدادهم، ومسخهم وطمسهم بالكليّة لفساد اعتقادهم، فهما جميعاً أهل الخلود في النار.

السابقالتالي
2 3 4 5 6