الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } * { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً }

قال الزمخشري في معنى هذه الآية الكريمة " ما عليها " يعني ما على الأرض مما يصلح أن يكون زينة لها ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها. وقال بعض العلماء كل ما على الأرض زينة لها من غير تخصيص. وعلى هذا القول - فوجه كل الحيات وغيرها مما يؤذي زينة للأرض. لأنه يدل على وجود خالقه، واتصافه بصفات الكمال والجلال، ووجود ما يحصل به هذا العلم في شيء زينة له. وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان المذكورة فيه - أن يذكر لفظ عام ثم يصرح في بعض المواضع بدخول بعض أفراد ذلك العام فيه، كقوله تعالىذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ } الحج 32 الآية. مع تصريحه بأن البدن داخلة في هذا العموم بقولهوَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } الحج 36 الآية. وإذا علمت ذلك فاعلم أن قوله في هذه الآية الكريمة { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا } قد صرح في مواضع أخر ببعض الأفراد الداخلة فيه، كقوله تعالىٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } الكهف 46 الآية، وقولهوَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } النحل 8 الآية، إلى غير ذلك من الآيات. وقوله في هذه الآية الكريمة { صعيداً جرزاً } أي أرضاً بيضاء لا نبات بها. وقد قدمنا معنى " الصعيد " بشواهده العربية في سورة " المائدة ". والجرز الأرض التي لا نبات بها كما قال تعالىأَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } السجدة 27 ومنه قول ذي الرمة
طوى النحز والأجراز ما في غروضها وما بقيت إلا الضلوع الجراشع   
لأن مراده " بالأجراز " الفيافي التي لا نبات فيها، والأجراز جمع جرزة، والجرزة جمع جرز، فهو جمع الجمع للجرز، كما قاله الجوهري في صحاحه. قال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا } من هذه الزينة صعيداً أو جرزا، أي مثل أرض بيضاء لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء معشبة في إزالة بهجته، وإماطة حسنه، وإبطال ما به - كان زينة من إماتة الحيوان، وتجفيف النبات والأشجار اهـ. وهذا المعنى المشار إليه هنا جاء مبيناً في مواضع أخر، كقولهإِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يونس 24، وكقوله تعالىوَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً }

السابقالتالي
2