الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } قائله كما سمعت ابن أبـي، وعنى بالأعز نفسه أو ومن يلوذ به، وبالأذل من أعزه الله عز وجل وهو الرسول صلى الله عليه وسلم أو هو عليه الصلاة والسلام والمؤمنون. وإسناد القول المذكور إلى جميعهم لرضائهم به كما في سابقه.

وقرأ الحسن وابن أبـي عبلة والسبتي في اختياره ـ لنخرجن ـ بالنون، ونصب الأعز والأذل على أن { ٱلأَعَزُّ } مفعول به، و { ٱلأَذَلَّ } إما حال بناءاً على جواز تعريف الحال، أو زيادة أل فيه نحو أرسلها العراك، وأدخلوا الأول فالأول وهو المشهور في تخريج ذلك، أو حال بتقدير مثل وهو لا يتعرف بالإضافة أي مثل الأذل، أو مفعول به لحال محذوفة أي مشبهاً الأذل، أو مفعول مطلق على أن الأصل إخراج الأذل فحذف المصدر المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانتصب انتصابه.

وحكى الكسائي والفراء أن قوماً قرأوا ـ ليخرجن ـ بالياء مفتوحة وضم الراء ورفع { ٱلأَعَزُّ } على الفاعلية ونصب { ٱلأَذَلَّ } على ما تقدم، بيد أنك تقدر على تقدير النصب على المصدرية خروج، وقرىء ـ ليخرجن ـ بالياء مبنياً للمفعول، ورفع { ٱلأَعَزُّ } على النيابة عن الفاعل، ونصب { ٱلأَذَلَّ } على ما مر.

وقرأ الحسن فيما ذكر أبو عمرو الداني ـ لنخرجن ـ بنون الجماعة مفتوحة وضم الراء، ونصب الأعز والأذل، وحكى هذه القراءة أبو حاتم، وخرجت على أن نصب { ٱلأَعَزُّ } على الاختصاص كما في قولهم: نحن العرب أقرى الناس للضيف، ونصب { ٱلأَذَلَّ } على أحد الأوجه المارة فيما حكاه الكسائي والفراء، والمقصود إظهار التضجر من المؤمنين وأنهم لا يمكنهم أن يساكنوهم في دار كذا قيل، وهو كما ترى، ولعل هذه القراءة / غير ثابتة عن الحسن.

وقوله تعالى: { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } رد لما زعموه ضمناً من عزتهم وذل من نسبوا إليه الذل، وحاشاه منه أي ولله تعالى الغلبة والقوة ولمن أعزه الله تعالى من رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لا للغير، ويعلم مما أشرنا إليه توجيه الحصر المستفاد من تقديم الخبر، وقيل: إن العطف معتبر قبل نسبة الإسناد فلا ينافي ذلك ولا يضر إعادة الجار لأنها ليست لإفادة الاستقلال في النسبة بل لإفادة تفاوت ثبوت العزة فإن ثبوتها لله تعالى ذاتي وللرسول صلى الله عليه وسلم بواسطة الرسالة وللمؤمنين بواسطة الإيمان.

وجاء من عدة طرق أن عبد الله بن أبـي ـ وكان مخلصاً ـ سل سيفه على أبيه عندما أشرفوا على المدينة فقال: والله على أن لا أغمده حتى تقول: محمد الأعز وأنا الأذل فلم يبرح حتى قال ذلك، وفي رواية أنه رضي الله تعالى عنه وقف والناس يدخلون حتى جاء أبوه فقال: وراءك، قال: ما لك ويلك؟! قال: والله لا تدخلها أبداً إلا أن يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولتعلمن اليوم الأعز من الأذل فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه ما صنع ابنه فأرسل إليه النبـي صلى الله عليه وسلم أن خل عنه يدخل ففعل؛ وصح من رواية الشيخين والترمذي وغيرهم عن جابر بن عبد الله

السابقالتالي
2 3