الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ }

وقرئ " يقدر " بصيغة المضارع بدل اسم الفاعل، وقرئ " الخالق " بصيغة اسم الفاعل بدل المضارع، يعني: من قدر على خلق مثل السموات والأرض مع عظم شأنهما، فهو على خلق مثل الأناسيّ أقدر، وفي معناه قوله تعالى:لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } [غافر:57].

أما السموات فلا يخفى شرفها وفضلها، وعظم أكنافها، ووثاقة أجرامها، ولطافة جواهرها، وضياء زواهرها ودراريها، وصفاء صورها ووفور أنوارها، وعظمة أقدارها، وقوة قواها وآثارها، وسرعة دورانها وحركاتها، وقدرة نفوسها المكتفية بذاتها على إقامة تحريكاتها، وإدامة تدبيراتها، وشرافة عقولها الكاملة المكملة لنفوسها المشرقة المشوقة إياها بإيراد الاشراقات العقلية والتشويقات النوريّة عليها، من غير فتور ودثور، وكونها مزيّنة بمصابيح الكواكب ومشاعِل النيّرات لقوله تعالى:وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } [الملك:5] وكون أنوارها مطردة للشياطين والظلمات لقوله:وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ } [الملك:5].

وعلامات يهتدي بها في ظلمات البر والبحر بقوله:وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } [النحل:16].

وكونها مستضيئة بنور القمر، وجعل القمر فيهنّ نوراً، مستنيرة بسراج الشمس، وجعل الشمس سراجاً، وكونه سقفاً محفوظاً، وسبعاً طباقاً، وسبعاً شداداً، وكون صورتها مشتملة على حِكم بليغة وغايات صحيحة.رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً } [آل عمران:191]وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ص:27].

وكونها مصعد الأعمال ومهبط الأنوار، وقبلة الدعاء، ومحل الضياء والصفاء، وكون ألوانها أحسن الألوان وهو المستنير، وأشكالها أفضل الأشكال وهو المستدير.

ولِما فيها من منافع البلاد ومصالح العباد، من طلوع شمسها فسهل معه التقلّب لقضاء الأوطار في الأطراف، وغروبها ليصلح معه الهدوء والقرار في الأكناف، ولتحصل الراحة وانبعاث القوة الهاضمة وتنفيذ الغذاء إلى أعماق الأعضاء. وأيضاً لولا طلوع الشمس لانجمدت المياه وغلبت البرودة والكثافة وأفضت إلى خمود الحرارة الغريزية وجمود الرطوبة الطبيعية، ولولا غروبها لحميت الأرض حتى يحترق كل من عليها من حيوان، فهي بمنزلة سراج يوضع لأهل بيت بمقدار حاجتهم، ثم يرفع عنهم ليستقروا ويستريحوا، فصار النور والظّلمة على تضادهما متظاهرين بقدرة الله على صلاح قطّان الأرض.

وها هنا نكتة: كأن الله يقول: لو وقعت الشمس في جانب من السماء من غير حركة، فالغني قد يرفع بناءَه على كوة الفقير فلا يصل إليه، لكني أدير الفلك وأسيرها حتى يجد الفقير نصيبه كما وجد الغني نصيبه.

وأما ارتفاع الشمس إلى سَمْت الرأس تارة وانحطاطها عنه أخرى، فقد جعله الله سبباً لإقامة الفصول الأربعة.

وأما القمر فهو تلو الشمس وخليفتها، وبه يعلم عدد السنين والحساب، ويضبط المواقيت الشرعية، ومنه يحصل النماء والرواء، وقد ذكرنا في هذه السورة كثيراً من فضائلهما وخيراتهما.

وأما الأرض فلعجائبها وغرائبها، ومن جبالها ومعادنها، وبحارها ودررها وجواهرها، ومن كونها فراشاً ومهاداً، وكونها ذَلولاً ليمشوا في مناكبها، وجعلها ساكنة في الوسط، وقوراً لا تنزعج ولا تتكلم من توارد الأثقال، ومن إرساء الجبال فيها أوتاداً تمنعها من أن تميل، ثم توسيع أكنافها حتى عجز الآدميون عن بلوغ جميع جوانبها وإن طالت أعمارهم وكثر تطوافهم، فيكون لهم فراشاً لقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد