الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ }

يقول تعالـى ذكره: وأصبح الذين تـمنَّوا مكانه بـالأمس من الدنـيا، وغناه وكثرة ماله، وما بسط له منها بـالأمس، يعنـي قبل أن ينزل به ما نزل من سخط الله وعقابه، يقولون: ويْكأنّ الله... اختلف فـي معنى { وَيْكَأنَّ اللّهَ } فأما قَتادة، فإنه رُوي عنه فـي ذلك قولان: أحدهما ما: حدثنا به ابن بشار، قال: ثنا مـحمد بن خالد بن عَثْمة، قال: ثنا سعيد بن بشير، عن قَتادة، قال فـي قوله { وَيْكأنَّهُ } قال: ألـم تر أنه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة { وَيْكأَنَّهُ }: أوَ لاَ تَرى أنه. وحدثنـي إسماعيـل بن الـمتوكل الأشجعي، قال: ثنا مـحمد بن كثـير، قال: ثنـي معمر، عن قَتادة: { وَيْكأنَّهُ } قال: ألـم تَرَ أنه. والقول الآخر، ما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قَتادة، فـي قوله: { وَيْكأَنَّ اللّهَ يَبْسُطُ الرّزْقَ } قال: أو لـم يعلـم أن الله { وَيْكأنَّهُ }: أوَ لا يَعلـمُ أنه. وتأوّل هذا التأويـل الذي ذكرناه عن قَتادة فـي ذلك أيضاً بعض أهل الـمعرفة بكلام العرب من أهل البصرة، واستشهد لصحة تأويـله ذلك كذلك، بقول الشاعر:
سألَتانِـي الطَّلاقَ أنْ رَأَتانِـي   قَلَّ مالـي، قَدْ جِئْتُـما بِنُكْرِ
وَيْكأنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَب يُحْ   بَبْ ومَن يفْتَقِرْ يعِشْ عَيْشَ ضُرّ
وقال بعض نـحويِّـي الكوفة: «ويكأنّ» فـي كلام العرب: تقرير، كقول الرجل: أما ترى إلـى صُنع الله وإحسانه وذكر أنه أخبره من سمع أعرابـية تقول لزوجها: أين ابننا؟ فقال: ويكأنه وراء البـيت. معناه: أما ترينه وراء البـيت قال: وقد يَذْهَب بها بعض النـحويـين إلـى أنها كلـمتان، يريد: وَيْكَ أَنه، كأنه أراد: ويْـلَك، فحذف اللام، فتـجعل «أَنّ» مفتوحة بفعل مضمر، كأنه قال: ويْـلَك اعلـمْ أنه وراء البـيت، فأضمر «اعلـم». قال: ولـم نـجد العرب تُعْمِل الظنّ مضمراً، ولا العلـم وأشبـاهه فـي «أَنّ»، وذلك أنه يبطل إذا كان بـين الكلـمتـين، أو فـي آخر الكلـمة، فلـما أضمر جرى مـجرى الـمتأخر ألا ترى أنه لا يجوز فـي الابتداء أن يقول: يا هذا، أنك قائم، ويا هذا أَنْ قمت، يريد: علـمت، أو اعلـم، أو ظننت، أو أظنّ. وأما حذف اللام من قولك: ويْـلَك حتـى تصير: ويْك، فقد تقوله العرب، لكثرتها فـي الكلام، قال عنترة:
وَلَقَدْ شَفَـى نَفْسي وأبْرأَ سُقْمَها   قَوْلُ الفَوَارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أقْدِم
قال: وقال آخرون: إن معنى قوله { وَيْكأَنَّ }: «وي» منفصلة من كأنّ، كقولك للرجل: وَيْ أما ترى ما بـين يديك؟ فقال: «وي» ثم استأنف، كأن الله يبسط الرزق، وهي تعجب، وكأنّ فـي معنى الظنّ والعلـم، فهذا وجه يستقـيـم. قال: ولـم تكتبها العرب منفصلة، ولو كانت علـى هذا لكتبوها منفصلة، وقد يجوز أن تكون كُثِّر بها الكلام، فوُصِلت بـما لـيست منه.

السابقالتالي
2