الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

فيه مسألتان: الأولىٰ ـ قوله تعالىٰ: { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً } أمرٌ، معناه معنىٰ التهديد وليس أمراً بالضحك. والأصل أن تكون اللام مكسورة فحذفت الكسرة لثقلها. قال الحسن: { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً } في الدُّنْيَا «وَلْيَبْكُوا كَثِيراً» في جهنم. وقيل: هو أمر بمعنىٰ الخبر. أي إنهم سيضحكون قليلاً ويبكون كثيراً. { جَزَآءً } مفعول من أجله أي للجزاء. الثانية ـ من الناس من كان لا يضحك اهتماماً بنفسه وفساد حاله في اعتقاده من شدّة الخوف، وإن كان عبداً صالحاً. قال صلى الله عليه وسلم: " والله لو تعلمون ماأعلم لضحِكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولخرجتم إلى الصُّعُدات تجأرون إلى الله تعالىٰ لوِددت أني كنت شجرة تُعْضَد " خرجه الترمذيّ. وكان الحسن البصريّ رضي الله عنه ممن قد غلب عليه الحزن فكان لا يضحك. وكان ابن سِيريِن يضحك ويحتجّ على الحسن ويقول: الله أضحك وأبكىٰ. وكان الصحابة يضحكون إلا أن الإكثار منه وملازمته حتى يغلب على صاحبه مذموم منهيّ عنه، وهو من فعل السفهاء والبطالة. وفي الخبر: " أن كثرته تميت القلب " وأما البكاء من خوف الله وعذابه وشدّة عقابه فمحمود قال عليه السلام: " ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول حتى تنقطع الدموع فتسيل الدماء فتقرح العيون فلو أن سُفُناً أجريت فيها لجرت " خرّجه ابن المبارك من حديث أنس، وابن ماجه أيضاً.