الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ }

{ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ } شكركم { أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ } تقولون مطرنا بنوء كذا وكذا وبنجم كذا وكذا، أخرج ذلك الإمام أحمد والترمذي وحسنه والضياء في «المختارة» وجماعة عن علي كرم الله تعالى وجهه عن النبـي صلى الله عليه وسلم وهو إما إشارة منه عليه الصلاة والسلام إلى أن في الكلام مضافاً مقدراً أي شكر رزقكم أو إشارة إلى أن الرزق مجاز عن لازمه وهو الشكر، وحكى الهيثم بن عدي أن من لغة أزدشنوءة ما رزق فلان فلاناً بمعنى شكره، ونقل عن الكرماني أنه نقل في «شرح البخاري» أن الرزق من أسماء الشكر واستبعد ذلك ولعله هو ما حكاه الهيثم، وفي «البحر» وغيره أن علياً كرم الله تعالى وجهه وابن عباس قرآ ـ شكركم ـ بدل { رَزَقَكُمُ } وحمله بعض شراح البخاري على التفسير من غير قصد للتلاوة وهو خلاف الظاهر، وقد أخرج ابن مردويه عن أبـي عبد الرحمن السلمي قال: قرأ علي كرم الله تعالى وجهه الواقعة في الفجر فقال: (وتجعلون شكركم أنكم تكذبون) فلما انصرف قال: إني قد عرفت أنه سيقول قائل لِمَ قرأها هكذا؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ كذلك كانوا إذا أمطروا قالوا: أمطرنا بنوء كذا وكذا فأنزل الله تعالى (وتجعلون شكركم أنكم إذا مطرتم تكذبون) ومعنى جعل شكرهم التكذيب جعل التكذيب مكان الشكر فكأنه عينه عندهم فهو من باب:
تحية بينهم ضرب وجيع   
ومنه قول الراجز:
وكان شكر القوم عند المنن   (كي الصحيحات وفقء الأعين)
وأكثر الروايات أن قوله تعالى: { وَتَجْعَلُونَ } الخ نزل في القائلين: مطرنا بنوء كذا من غير تعرض لما قبل. وأخرج مسلم وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: " مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبـي عليه الصلاة والسلام: أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا: هذه رحمة وضعها الله وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا فنزلت هذه الآية { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوٰقِعِ ٱلنُّجُومِ } حتى بلغ { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ } [الواقعة: 75ـ82] " وأخرج نحوه ابن عساكر في «تاريخه» عن عائشة رضي الله تعالى عنها وكان ذلك على ما أخرج ابن أبـي حاتم عن أبـي عروة رضي الله تعالى عنه في غزوة تبوك نزلوا الحجر فأمرهم صلى الله عليه وسلم أن لا يحملوا من مائه شيئاً ثم ارتحلوا ونزلوا منزلاً آخر وليس معهم ماء فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عليه الصلاة والسلام فصلى ركعتين ثم دعا فأمطروا وسقوا فقال رجل من الأنصار يتهم بالنفاق: إنما مطرنا بنوء كذا فنزل ما نزل، ولعل جمعاً من الكفار قالوا نحو ذلك أيضاً بل هم لم يزالوا يقولون ذلك، والأخبار متضافرة على أن الآية في القائلين بالأنواء، بل قال ابن عطية: أجمع المفسرون على أنها توبيخ لأولئك.

السابقالتالي
2 3