الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً }

قوله تعالى: وقوله - عز وجل -: { مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا }.

لم يذكر ما تلك الشفاعة التي يشفع؛ فيحتمل الشفاعة الحسنة: هي الدعاء له بالمغفرة والرحمة، وهو لذلك مستوجب؛ فيكون له بذلك نصيب. والشفاعة السيئة: هي الدعاء عليه باللعن والمقت، وهو لذلك غير مستوجب؛ فيكون له بذلك نصيب.

وقيل: هو كقول العرب: " الدالّ على الخير كفاعله " ، من دل آخر على الخير؛ فله في ذلك نصيب، وكذلك من دل آخر على الشر.

ويحتمل: الشفاعة الحسنة: في مظلمة، يسعى في دفع مظلمة عن أخيه المسلم، وهي شفاعة حسنة؛ فله في ذلك نصيب.

ويحتمل: الشفاعة السيئة: هي أن يسعى في فساد أمر يلحقه من ذلك نقمة ومظلمة؛ فله في ذلك إثم.

وقيل: الشفاعة الحسنة: هي التي ينتفع بها وعمل بها، هي بينك وبينه، هما فيها شريكان، والشفاعة [السيئة] هي التي تضر به، هما فيها شريكان.

ويحتمل: أن تكون الشفاعة الحسنة: كل صانع معروف، وكل آمر به، والشفاعة السيئة: كل صانع منكر، وآمر به؛ فهما شريكان في ذلك: الآمر والفاعل جميعاً.

ويحتمل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَالدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ، وَاللهُ يُحِبُّ إِغَاثَةَ اللَّهْفَانِ ".

وعن الحسن - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " لاَ صَدَقَةَ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ اللِّسَانِ "؛ قيل: وما صدقة اللسان يا رسول الله؟ قال: " الشَّفَاعَةُ تُجْرِيهَا إِلَى أَخِيكَ، وترفع عنه ثقل الكريهة وتحقن بها الدم " ".

والكفل والنصيب واحد.

وقيل: الكفل: الجزاء، وهو واحد.

وقيل: الكفل: الإثم، ولكن ليس إثمه خاصة؛ ألا ترى أنه قال:يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } [الحديد: 28].

والشفاعة من أعظم ما احتيج إليها؛ إذ قد جاء القرآن بها، والآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشفاعة في المعهود من الأمر تكون عند زلات يُستَوْجَبُ بها المقت والعقوبة؛ فيعفي عن مرتكبها بشفاعة الأخيار وأهل الرضا بهم، ثم كانت الصغائر منَّا لا يجوز التعذيب عليها عند القائلين بالخلود بالكبائر، والكبائر مما يعفي عنها بالشفاعة؛ فإذن يبطل عظيم ما جاء من القرآن والآثار في الامتنان، ويسقط ما جبل عليه أهل العلم بالله وبرحمته، ويبطل رجاء المسلمين بشفاعة [الرسل - عليهم السلام -] ولا قوة إلا بالله.

وقال بعضهم: الشفاعة تخرج على وجهين:

الأول: على ذكر محاسن أحد عند آخر؛ ليقرر له عنده المنزلة والرتبة.

والثاني: أن يدعو له؛ فالأول هو الذي يحتمل توجيه الشفاعة إليه، والثاني قد بين بقوله:

السابقالتالي
2 3