الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }

القراءة: قرأ ابن كثير القدس بسكون الدال في جميع القرآن والباقون بضم القاف والدال وروي في الشواذ عن أبي عمرو وآيدناه على زنة افعلناه والقراءة أيدناه بالتشديد. الحجة: التخفيف والتثقيل في القدس وكذلك فيما كان مثله نحو الحلم والحُلم والعنق والعُنق وأيدناه إنما كانت القراءة المشهورة فيه فعلناه لما يعرض من تصحيح العين مخافة توالي إعلالين في أيدناه على أفعلناه ومعنى هذا أنه لو أعلّت عينه كما يجب إعلال عين أفعلت من الأجوف كأقمت وأبعت لتتابع فيه إعلالان لأن أصل أيدت كما أن أصل آمن أأمن فانقلبت الهمزة الثانية ألفاً لاجتماع همزتين في كلمة واحدة والأولى منهما مفتوحة والثانية ساكنة وكان يجب أيضاً أن تلقى حركة العين على الفاء وتحذف العين كما ألقيت حركة الواو من أقومت على القاف قبلها فصار أقمت وكان يجب على هذا أن تقلب الفاء هنا واواً لأنها قد تحركت وانفتح ما قبلها ولا بد من قلبها لوقوع الهمزة الأولى قبلها كما قلبت في تكسير آدم أو ادِم فكان يجب أن تقول أودته كأقمته فتحذف العين كما ترى وتقلب الفاء التي هي في الأصل همزة واواً فيعتل الفاء والعين جميعاً وإِذا كان يؤدي القياس إلى هذا رفض وكثر فيه فعَّلْتُ ليؤمن الإِعلالان وجاء أيَدْتْ قليلاً شاذاً على الأصل وإِذا كانوا قد أخرجوا عين أفْعَلتُ وهي حرف علة الصحة في نحو قولـه:
صَدَدْتِ فأَطْوَلتِ الصُّدُودَ وقَلَّما   وِصالٌ على طُوْلِ الصُّدُودِ يَََََََََََََدومُ
وأعْوَزَ القوم وأغيَمتِ السماء ولو أعلت لم يُخف فيه توالي إعلالين كان خروج أيدت على الصحة لئلا يجتمع إعلالان أولى وأحرى. اللغة: قفينا أي أردفنا وأتبعنا بعضهم خلف بعض وأصله من القفا يقال قفوت فلاناً إذا صرت خلف قفاه كما يقال دبرته قال امرؤ القيس:
وَقَفَّى عَلَى آثارِهِنَّ بِحَاصِبٍ   وغَيْبَةِ شُؤْبُوبٍ من الشَّدِّ مُلْهِبِ
والرسل جمع رسول كالصبر والشكرُ في جميع صبور وشكور وأيدناه قويناه من الأيد والآد وهما القوة ومثلهما في البناء على فَعْل وفَعَل الذيْم والذام والعيب والعاب قال العجاج:
مـِـنْ أنْ تـَبــدَّلـْــتُ بـــِـآدي آدا   
أي بقوة شبابي قوة الشيب والقدس الطهر والتقديس التطهير وقولنا في صفة الله تعالى القدوس أي الطاهر المنزه عن أن يكون له ولد أو يكون في فعله وحكمه ما ليس بعدل وبيت المقدس لا يخلو المقدس فيه إما أن يكون مصدراً أو مكاناً فإِن كان مكاناً فالمعنى بيت المكان الذي فعل فيه الطهارة وأضيف إلى الطهارة لأنه منسك كما جاءأن طَهّرا بيتي للطائفين } [البقرة: 125] وتطهيره اخلاؤه من الصنم وإبعاده منه فعلى هذا يكون معناه بيت مكان الطهارة وإن كان مصدراً كان كقولـه إليه مرجعكم ونحوه من المصادر التي جارت على هذا المثال والهوى مقصوراً والشهوة نظيران هوى يهوى هوى.

السابقالتالي
2