الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

{ وَذَا النُّونِ } صاحب الحوت أضيف للحوت لأن الحوت بلعه، وهو يونس بن مَتَّى. قال السهيل هذا مقام ثناء على يونس، ولذا عبر عنه بذو، بخلافولا تكن كصاحب الحوت } والإضافة بذو أشرف من الإضافة بصاحب لأن ذو تضاف إلى التابع وصاحب يضاف إلى المتبوع. انتهى. ولعل هذا غير لازم، وهو نبى من أهل نِينَوِى. { إذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا } لقومه أى غضبان عليهم غضبا شديدا، مما قاسى منهم من التكذيب وغيره، ولم يؤذن له فى ذلك سئم بقومه، وذهب عنهم غضبا، قبل أن يؤمر. وقيل وعدهم بالعذاب غدا، ولم يأتهم العذاب غدا لقوتهم، ولم يعرف بذلك، وظن أنه يقال فيه كذب. وغضب من حيث بلغه تكذيبهم إلى هذا المقام ولم يقل غضبان، بل مغاضبًا لأن مفاعِل والتفاعُل يستعمل كثيراً للمغالبة، فاستعمل منه مفاعِل هنا، قصدا للمبالغة، أو الألف للتعدية لأنه أغضبهم بالمهاجَرة، لخوفهم لحوق العذاب، كما يقال ماشيْتُه وسايرتُه. وقرأ أبو شرف مغضبًا بفتح الضاد. ونقل عنه أبو حيّان مغاضَبا بفتحها. { فظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ } لن نقضى عليه ما قضينا، من حبسه فى بطن الحوت. ويدل لهذا أنه قرأ الزهرى والحسن نُقَدِّر بضم النون وفتح القاف وتشديد الدال. وقرئ نَقْدِر بفتح وسكون القاف وكسر الدال. وقرأ يعقوب بالياء والبناء للمفعول. وقرئ بالياء والبناء للمفعول مع التشديد. وفاعل ذى الياء ضمير الله، ونائبه عليه. وقيل فى المعنى ذلك هو التضييق، أو تقدير الله عليهم عقوبة، أو المراد أنه ظن أن لن تعمل فيه قدرتنا. وقيل ذلك من المجاز المركب لاستعارى، مُثّلت حاله بحال من يظن أنه لن يقدر الله عليه، فى مراغمته قومه، من غير انتظار لأمرنا، أو وسوس له الشيطان أنه لا يقدر عليك ولم يتبعه، ولا كاد يتبعه، أو يقبل وسوسته، ولكن سميت ظنًّا، للمبالغة والتغليظ عليه، حيث ذهب ولم يؤمر، بل أمر قبل ذلك بالصبر على دعائهم، وظن أن ذلك يسوغ له، إذ لم يفعل إلا غضبًا لله تعالى وبغضًا للكفر وأهله. وتلك المعانى كلها، يقبلها التخفيف والتشديد. وإذا رأيت التشديد مستغنى عنه فاجعله لموافقة التخفيف، أو للتوكيد. وخص بعضهم التفسير، بأنه ظن أن لن تعمل فيه قدرتنا والتفسير بالمجاز المركب والتفسير بالوسوسة بقراءة التخفيف. وممن فسر الآية بالقَدْر لا بالقُدرة ابن عباس. رُوى أنه دخل على معاوية. فقال معاوية لقد ضربتنى أمواج القرآن البارحة فغرقتُ، فلم أجد لنفسى خلاصا إلا بك. قال وما ذاك يا معاوية؟ فقرأ الآية فقال أوَ يظن نبى الله أن لا يقدر عليه الله؟ قال هذا من القَدْر لا من القُدرة. وزعم بعضهم أنه غضب لأن العذاب لم ينزل عليهم، وهو باطل لأن فيه طرفا من معاداة الله.

السابقالتالي
2 3