الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }

{ وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ } شروع في بيان بعض آخر من جناياتهم، وتصديره بالجملة القسمية لإظهار كمال الاعتناء به، و ـ الايتاء ـ الاعطاء، و (الكتاب) التوراة في قول الجمهور وهو مفعول ثان ـ لآتينا ـ وعند السهيلي مفعول أول، والمراد بإتيانها له إنزالها عليه. وقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن التوراة نزلت جملة واحدة فأمر الله تعالى موسى عليه السلام بحملها فلم يطق فبعث بكل حرف منها ملكاً فلم يطيقوا حملها فخففها الله تعالى لموسى عليه السلام فحملها، وقيل: يحتمل أن يكون ـ آتينا ـ الخ أفهمناه ما انطوى عليه من الحدود والأحكام والأنباء والقصص وغير ذلك مما فيه، والكلام على حذف مضاف أي علم ـ الكتاب ـ أو فهمه وليس بالظاهر.

{ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ } يقال ـ قفاه ـ إذا اتبعه ـ وقفاه ـ به إذا أتبعه إياه من ـ القفا ـ وأصل هذه الياء واو لأنها متى وقعت رابعة أبدلت كما تقول عريت من العرو أي أرسلناهم على أثره كقوله تعالى:ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا } [المؤمنون: 44] وكانوا إلى زمن عيسى عليه السلام أربعة آلاف، وقيل: سبعين ألفاً وكلهم على شريعته عليه السلام منهم يوشع وشمويل وشمعون. وداود وسليمان وشعياء وارمياء وعزيز وحزقيل والياس واليسع ويونس وزكريا ويحيـى وغيرهم عليهم الصلاة والسلام، وقرأ الحسن ويحيـى بن يعمر ـ بالرسل ـ بتسكين السين، وهو لغة أهل الحجاز والتحريك لغة تميم.

{ وَءاتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَـٰتِ } أي الحجج الواضحة الدالة على نبوته فتشمل كل معجزة ـ أوتيها ـ عليه السلام وهو الظاهر، وقيل: الإنجيل، وعيسى أصله بالعبرانية أيشوع بهمزة ممالة بين بين، أو مكسورة ـ ومعناه السيد ـ وقيل: المبارك فعرب، والنسبة إليه عيسي وعيسوي وجمعه عيسون بفتح السين ـ وقد تضم ـ وأفرده عن الرسل عليه السلام لتميزه عنهم لكونه من أولي العزم وصاحب كتاب، وقيل: لأنه ليس متبعاً لشريعة موسى عليه السلام حيث نسخ كثيراً من شريعته، وأضافه إلى أمه رداً على اليهود إذ زعموا أن له أباً، ومريم بالعبرية الخادم وسميت أم عيسى به لأن أمها نذرتها لخدمة بيت المقدس، وقيل: العابدة، وبالعربية من النساء من تحب محادثة الرجال فهي كالزير من الرجال، وهو الذي يحب محادثة النساء، قيل: ولا يناسب مريم أن يكون عربياً لأنها كانت برية عن محبة محادثة الرجال اللهم إلا أن يقال سميت بذلك تمليحاً كما يسمى الأسود كافوراً، وقال بعض المحققين: لا مانع من تسميتها بذلك بناء على أن شأن من تخدم من النساء ذلك، وفي «القاموس» هي التي تحب محادثة الرجال ولا تفجر ـ وعليه لا بأس بالتسمية كما ذكره المولى عصام ـ والأولى عندي أن التسمية وقعت بالعبري لا بالعربـي بل يكاد يتعين ذلك كما لا يخفى على المنصف؛ وعن الأزهري المريم المرأة التي لا تحب مجالسة الرجال وكأنه قيل لها ذلك تشبيهاً لها بمريم البتول ووزنه عربياً مَفْعَل لا فعيلاً/ لأنه لم يثبت في الأبنية على المشهور، وأثبته الصاغاني في «الذيل»، وقال: إنه مما فات سيبويه، ومنه عثير للغبار، وضَهْيَد ـ بالمهملة والمعجمة ـ للصلب واسم موضع، ومدين على القول بأصالة ميمه، وضهيا بالقصر وهي المرأة التي لا تحيض أو لا ثدي لها من المضاهاة كأنها أطلق عليها ذلك بمشابهتها الرجل؛ وابن جني يقول: إن ضهيد وعثير مصنوعان فلا دلالة فيهما على إثبات فعيل، وذكر السيالكوتي أن عثير بمعنى الغبار ـ بكسر العين ـ وإذا كان مفعلاً فهو أيضاً على خلاف القياس إذ القياس إعلاله بنقل حركة الياء إلى الراء وقلبها ألفاً نحو مباع لكنه شذ كما شذ مدين، ومزيد، وإذا كان من رام يريم إذا فارق وبرح فالقياس كسريائه أيضاً.

السابقالتالي
2 3 4