الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً }

اعلم أن هذا نوع آخر من أحوال المنافقين ذكره الله تعالى، وههنا مسائل: المسألة الأولى: ذكروا في سبب نزول هذه الآية وجوها: الأول: أنها نزلت في قوم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وآله مسلمين فأقاموا بالمدينة ما شاء الله، ثم قالوا يا رسول الله: نريد أن نخرج إلى الصحراء فائذن لنا فيه، فأذن لهم، فلما خرجوا لم يزالوا يرحلون مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين فتكلم المؤمنون فيهم، فقال بعضهم: لو كانوا مسلمين مثلنا لبقوا معنا وصبروا كما صبرنا وقال قوم: هم مسلمون، وليس لنا أن ننسبهم إلى الكفر إلى أن يظهر أمرهم، فبين الله تعالى نفاقهم في هذه الآية. الثاني: نزلت الآية في قوم أظهروا الاسلام بمكة، وكانوا يعينون المشركين على المسلمين. فاختلف المسلمون فيهم وتشاجروا، فنزلت الآية. وهو قول ابن عباس وقتادة. الثالث: نزلت الآية في الذين تخلفوا يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، فاختلف أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم، فمنهم فرقة يقولون كفروا، وآخرون قالوا: لم يكفروا، فنزلت هذه الآية. وهو قول زيد بن ثابت، ومنهم من طعن في هذا الوجه وقال: في نسق الآية ما يقدح فيه، وإنهم من أهل مكة، وهو قوله تعالى:فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } [النساء: 89] الرابع: نزلت الآية في قوم ضلوا وأخذوا أموال المسلمين وانطلقوا بها إلى اليمامة فاختلف المسلمون فيهم، فنزلت الآية: وهو قول عكرمة. الخامس: هم العرنيون الذين أغاروا وقتلوا يسارا مولى الرسول صلى الله عليه وسلم. السادس: قال ابن زيد: نزلت في أهل الافك. المسألة الثانية: في معنى الآية وجهان: الأول: أن «فئتين» نصب على الحال: كقولك: مالك قائما، أي مالك في حال القيام، وهذا قول سيبويه. الثاني: أنه نصب على خبر كان، والتقدير: مالكم صرتم في المنافقين فئتين، وهو استفهام على سبيل الانكار، اي لم تختلفون في كفرهم مع أن دلائل كفرهم ونفاقهم ظاهرة جلية، فليس لكم أن تختلفوا فيه بل يجب أن تقطعوا بكفرهم. المسألة الثالثة: قال الحسن: إنما سماهم منافقين وان أظهروا الكفر لأنهم وصفوا بالصفة التي كانوا عليها من قبل، والمراد بقوله: { فِئَتَيْنِ } ما بينا ان فرقة منهم كانت تميل اليهم وتذب عنهم وتواليهم، وفرقة منهم تباينهم وتعاديهم، فنهوا عن ذلك وأمروا بأن يكونوا على نهج واحد في التباين والتبري والتكفير، والله أعلم. ثم قال تعالى مخبرا عن كفرهم: { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: الركس: رد الشيء من آخره إلى أوله، فالركس والنكس والمركوس والمنكوس واحد، ومنه يقال للروث الركس لأنه رد إلى حالة خسيسة، وهي حالة النجاسة، ويسمى رجيعا لهذا المعنى أيضا، وفيه لغتان: ركسهم وأركسهم فارتكسوا، أي ارتدوا.

السابقالتالي
2