الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قوله تعالى: { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } سبب نزولها: أنه لما نزل قوله: { لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } قال القوم الذين كانوا حرّموا النساء واللحم: يا رسول الله كيف نصنع بأيْماننا التي حلفنا عليها؟ فنزلت هذه الآية، رواه العوفي عن ابن عباس. وقد سبق ذكر «اللغو» في سورة (البقرة).

قوله تعالى: { بما عقدتم الأيمان } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: «عقدتم» بغير ألف، مشددة القاف. قال أبو عمرو: معناها: وكدّتم. وقرأ أبو بكر، والمفضّل عن عاصم: «عقَدْتُم» خفيفة بغير ألف، واختارها أبو عبيد. قال ابن جرير: معناها: أوجبتموها على أنفسكم. وقرأ ابن عامر: «عاقدتم» بألف، مثل «عاهدتم» قال القاضي أبو يعلى: وهذه القراءة المشددة لا تحتمل إِلا عقد قول. فأما المخففة، فتحتمل عقد القلب، وعقد القول.

وذكر المفسّرون في معنى الكلام قولين.

أحدهما: ولكن يؤاخذكم بما عقَّدتم عليه قلوبكم في التعمد لليمين، قاله مجاهد.

والثاني: بما عقَّدتم عليه قلوبكم أنه كذب، قاله سعيد بن جبير.

قوله تعالى: { فكفارته } قال ابن جرير: الهاء عائدةٌ على «ما» في قوله: بما «عقَّدتم».

فصل

فأما إِطعام المساكين، فروي عن ابن عمر، وزيد بن ثابت، وابن عباس، والحسن في آخرين: أن لكل مسكين مدَّبُرٍّ، وبه قال مالك، والشافعي.

وروي عن عمر، وعلي، وعائشة في آخرين: لكل مسكين نصف صاع من بُرّ، قال عمر، وعائشة: أو صاعاً من تمر، وبه قال أبو حنيفة. ومذهب أصحابنا في جميع الكفارات التي فيها إِطعام، مثل كفارة اليمين، والظهار، وفدية الأذى، والمفرّطة في قضاء رمضان، مدَّبُرٍّ، أو نصف صاع تمر أو شعير. ومِنْ شرط صحة الكفارة، تمليك الطعام للفقراء، فإن غدَّاهم وعشَّاهم، لم يجزئه، وبه قال سعيد بن جبير، والحكم، والشافعي. وقال الثوري، والأوزاعي: يجزئه، وبه قال أبو حنيفة، ومالك. ولا يجوز صرف مدّين إِلى مسكين واحدٍ، ولا إِخراج القيمة في الكفارة، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: يجوز. قال الزجاج: وإِنما وقع لفظ الذكير في المساكين، ولو كانوا إِناثاً لأجزأ، لأن المغلَّب في كلام العرب التذكير. وفي قوله: { من أوسط ما تطعمون أهليكم } قولان.

أحدهما: من أوسطه في القدر، قاله عمر، وعلي، وابن عباس، ومجاهد.

والثاني: مِن أوسط أجناس الطعام، قاله ابن عمر، والأسود، وعَبيدة، والحسن، وابن سيرين. وروي عن ابن عباس قال: كان أهل المدينة [يقولون:] للحُرِّ مِن القوت أكثر ما للمملوك، وللكبير أكثر ما للصغير، فنزلت { من أوسط ما تطعمون أهليكم } ليس بأفضله ولا بأخسِّه. وفي كسوتهم خمسة أقوال.

أحدها: أنها ثوبٌ واحدٌ، قاله ابن عباس، ومجاهد، وطاووس، وعطاء، والشافعي.

والثاني: ثوبان، قاله أبو موسى الأشعري، وابن المسيّب، والحسن، وابن سيرين، والضحاك.

السابقالتالي
2