الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

القراءة: قرأ ابن عامر وحده عاقدتم برواية ابن ذكوان وقرأ أهل الكوفة غير حفص عقدتم بالتخفيف والباقون بالتشديد وروي أن قراءة جعفر بن محمد ع تطعمون أهاليكم. الحجة: قال أبو علي: من قرأ عقَّدتم مشددة القاف احتمل أمرين أحدهما: أن يكون لتكثير الفعل والآخر: أن لا يراد به التكثير كما أن ضاعف لا يراد به فعل الاثنين ومن قرأ عقدتم خفيفة جاز أن يراد به الكثير من الفعل والقليل إلا أن فعَّلَ يختص بالكثير كما أن الركبة يختص الحال التي يكون عليها الركوب. ومن قرأ عاقدتم احتمل أمرين أحدهما: أن يكون يراد به عقدتم كما أن عافاه الله وعاقبت اللص وطارقت النعل بمنزلة فعلت فيكون على هذا قراءته كقراءة من خفَّف ويحتمل أن يراد بعاقدتم فاعلت الذي يقتضي فاعلين فصاعداً. كأنه قال: يؤاخذكم بما عقدتم عليه اليمين ولما كان عاقد في المعنى قريباً من عاهد عدّاه بعلى كما يعدى عاهد بها. قال: ومن أوفى بما عاهد عليه الله واتسع فحذف الجار ووصل الفعل إلى المفعول ثم حذف من الصلة الضمير الذي كان يعود إلى الموصول كما حذفه من قولـه:فاصدع بما تؤمر } [الحجر: 94] ومثله قول الشاعر:
كَأَنَّهُ وَاضِحُ الأقْراب في لُقُحٍ   أسْمى بِهِنَّ وَعَزَّتْهُ الأناصِيلُ
إنما هو عزت عليه فاتسع والتقدير يؤاخذكم بالذي عاقدتم عليه الإيمان ثم عاقدتموه الإيمان فحذف الراجع ويجوز أن يجعل ما التي مع الفعل بمعنى المصدر فيمن قرأ عقدتم وعقَّدتم فلا يقتضي راجعاً كما لا يقتضيه في قولـه:ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون } [البقرة: 10] وقولـهفاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون } [الأعراف: 51] وأما قولـه: أهاليكم فإن أهالي كليالي كأن واحدها أهلاة وليلاة وأنشد ابن الأعرابي:
في كُلِّ يَوْم ما وَكل لَيْلاه   يا وَيْحَهُ مِنْ جَمَلٍ ما أشْقاهْ
ومن قال: أَهالي جمع أهلون فقد أبعد لأن هذا الجمع لا يكسر. اللغة: اللغو في اللغة ما لا يعتد به قال الشاعر:
أَوْ مائِةٌ تَجْعَــــلُ أَوْلادَهـــا   لَغْواً وعُرْضُ المِائَةِ الجَلْمَدُ
أي الذي يعارضها في قوة الجلمد يعني بالمائة نوقاً أي لا يعتد بأولادها ولغو اليمين هو الحلف على وجه الغلط من غير قصد مثل قول القائل لا والله وبلى والله على سبق اللسان هذا هو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله ع يقال: عقدت الحبل والعهد واليمين عقداً. قال الحطيئة:
قوم إذا عقدوا عقداً لجارهم   
البيت وقال في بيت آخر:
وإن عاهدوا أوفوا وإن عاقدوا شدّوا   
وأعقدت العسل فهو مُعقَد وعقيد والتحرير من الحرية. قال الفرزدق:
أبَني غُدانَةَ إِنَّني حَرَّرْتُكُمْ   فوهَبْتُكُــمْ لِعَطيَّةِ بْنِ جَعالِ
يريد أعتقتكم من ذل الهجا ولزوم العار. النزول: قيل: لما نزلت { لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } قالوا: يا رسول الله فكيف نصنع بأيماننا فأنزل الله هذه الآية.

السابقالتالي
2 3