الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قوله تعالى { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ }. قد قدمنا في سورة البقرة أن المراد بما عقدتم الأيمان، هو ما قصدتم عقد اليمين فيه، لا ما جرى على ألسنتكم من غير قصد نحو " لا والله " و " بلى والله " ، ومنه قول الفرزدق
ولست بمأخوذ بلغو تقوله إذا لم تعمد عاقدات العزائم   
وهذا العقد معنوي، ومنه قول الحطيئة
قوم إذا عقدوا عقداً لجارهم شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا   
وقرأه حمزة، والكسائي، وشعبة ع عاصم { عَقدْتُمُ } بالتخفيف بلا ألف. وقراه ابن ذكوان عن ابن عامر { عَاقدْتُم } بألف بوزن فاعل، وقرأه الباقون بالتشديد من غير ألف، والتضعيف والمفاعلة معناهما مجرد الفعل بدليل قراءة { عَقَّدْتُم } بلا ألف، ولا تضعيف، والقراءات يبين بعضها بعضاً " وما " في قوله { بِمَا عَقَّدْتُمُ } مصدرية على التحقيق لا موصولة، كما قاله بعضهم زاعماً أن ضمير الربط محذوف. وفي المراد باللغو في الآية أقوال أشهرها عند العلماء اثنان الأول أن اللغو ما يجري على لسان الإنسان من غير قصد، كقوله " لا والله " و " بلى والله ". وذهب إلى هذا القول الشافعي، وعائشة في إحدى الروايتين عنها، وروي عن ابن عمر، وابن عبّاس في أحد قوليه، والشعبي، وعكرمة في أحد قوليه، وعُروة بن الزبير، وأبي صالح، والضحّاك في أحد قوليه، وأبي قلابة، والزهري، كما نقله عنهم ابن كثير، وغيره. القول الثاني أن اللغو هو أن يحلف على ما يعتقده، فيظهر نفيه وهذا هو مذهب مالك بن أنس، وقال إنه أحسن ما سمع في معنى اللغو، وهو مروي أيضاً عن عائشة، وأبي هريرة، وابن عباس في أحد قوليه، وسليمان بن يسار، وسعيد بن جُبَيْر، ومجاهد في أحد قوليه، وإبراهيم النخعي في أحد قوليه، والحسن، وزارة بن أوفى، وأبي مالك، وعطاء الخراساني، وبكر بن عبد الله، وأحد قولي عكرمة، وحبيب بن أبي ثابت، والسُّدِّي، ومكحول، ومقاتل، وطاوس، وقتادة، والربيع بن أنس، ويحيى بن سعيد، وربيعة، كما نقله عنهم ابن كثير. والقولان متقاربان، واللغو يشملهما. لأنه في الأول لم يقصد عقد اليمين أصلاً، وفي الثاني لم يقصد إلا الحقّ والصواب، وغير هذين القولين من الأقوال تركته لضعفه في نظري، واللغو في اللُّغة هو الكلام بما لا خبر فيه، ولا حاجة إليه، ومنه حديث " إذا قلت لصاحبك، والإمام يخطب يوم الجمعة انصت، فقد لغوت أو لغيت ". وقول العجاج
ورب أسراب حجيج كظم عن اللغا ورفث التكلم   
مسائل من أحكام الأيمان المسألة الأولى اعلم أن الأيمان أربعة أقسام اثنان فيهما الكفَّارة بلا خلاف، واثنان مُخْتلف فيهما.

السابقالتالي
2 3 4 5