الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } * { وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

ثم قوله: { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ }.

يعني: رد الله على رسوله من ملك الكفرة، أو ما أعطى الله لرسوله من ملك الكفرة.

وقوله: { مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } يجوز أن يكون قرى قد أعطوه، أو يكون هذه بشارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح القرى.

وقوله - عز وجل -: { وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ }.

يجوز أن يقال: إن الظاهر من هذه الآية أن يكون المراد منها غير قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم:أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ } [الأنفال: 41]، فقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما تدخل في هذه الآية بالتأويل، وذلك أن المفهوم من ذكر القرابة إنما هو قرابة المخاطبين في الآية، ومعلوم أن الخطاب بالقسم إنما هو للمغتنمين.

وفي قوله - عز وجل -: { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } إنما يفهم منه قرابة الرسول - عليه السلام - وذوو القربى من أصحابنا يسلكون في ذلك مذهبين:

منهم من يقول: إن هذا الحق في الأصل للمحتاجين من القرابة لوجهين:

أحدهما: قوله: { وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } وكان المراد منه منصرفاً إلى المحتاجين؛ فكذلك في القرابة.

ومنهم من قال: إن الخمس كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصل به إلى قرابته، فلما قبض - عليه السلام - انقطع ذلك الحق؛ لوجهين:

أحدهما: قوله - عليه السلام -: " إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة ".

والثاني: إنما كانوا يستوجبونه برسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قبض انقطع ذلك عنهم؛ على سبيل انقطاع الحقوق عن أصحابها عند وفاتهم، ثم الفائدة في منع ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوراثة من وجهين:

أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستعمل نفسه في شيء من لذات الدنيا وشهواتها، وكان قائماً لله تعالى [ ]؛ فإذا كان كذلك، جاز أن يكون حقيقة الملك فيه لمولاه، وإن كان في الظاهر له، والله أعلم.

فإن قيل: أليست الأملاك كلها لله؟

قيل لهم: نعم، غير أن الإضافة قد تكون خصوصية حال، كقوله - تعالى -:نَاقَةُ ٱللَّهِ } [الأعراف: 73]، وبيت الله.

ووجه آخر: ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو وقف عليه إلى يوم القيامة؛ ألا ترى أن زوجاته محبوسات عليه لا يحللن لأحد بعده، ونبوته عليه، لم تتحول بعده إلى غيره؛ فلزم - أيضا - أن يوقف عليه ملكه - عليه السلام - ومعلوم أن ما كان موقوفاً فسبيله التصدق، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6