الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ }

{ أُوْلَـٰئِكَ } أي الأنبياء المذكورون كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والسدي وابن زيد، وقيل: الإشارة إلى المؤمنين الموكلين وروى ذلك عن الحسن وقتادة ولا يخفى ما فيه. وهو مبتدأ خبره قوله سبحانه: { ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } أي هديناهم إلى الحق والصراط المستقيم. والالتفات إلى الاسم الجليل للإشعار بعلة الهداية وحفظ المهدي إليه اعتماداً على غاية ظهوره { فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } أي اجعل هداهم منفرداً بالاقتداء واجعل الاقتداء مقصوراً عليه. والمراد بهداهم عند جمع طريقهم في الإيمان بالله تعالى وتوحيده وأصول الدين دون الشرائع القابلة للنسخ فإنها بعد النسخ لا تبقى هدى وهم أيضاً مختلفون فيها فلا يمكن التأسي بهم جميعاً، ومعنى أمره صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بذلك الأخذ به لا من حيث إنه طريق أولئك الفخام بل من حيث إنه طريق العقل والشرع ففي ذلك تعظيم لهم وتنبيه على أن طريقهم هو الحق الموافق / لدليل العقل والسمع، وبهذا أجاب العلامة الثاني عما أورده سؤالاً من أن الواجب في الاعتقادات وأصول الدين هو اتباع الدليل من العقل والسمع فلا يجوز سيما للنبـي صلى الله عليه وسلم أن يقلد غيره فما معنى أمره عليه الصلاة والسلام بالاقتداء؟ وأورد عليه أن اعتقاده عليه الصلاة والسلام حينئذ ليس لأجل اعتقادهم بل لأجل الدليل فلا معنى لأمره بالاقتداء بذلك. واعترض أيضاً بأن الأخذ بأصول الدين حاصل له قبل نزول الآية فلا معنى للأمر بأخذ ما قد أخذ قبل اللهم إلا أن يحمل على الأمر بالثبات عليه. وحقق القطب الرازي في «حواشيه على الكشاف» أنه يتعين أن الاقتداء المأمور به ليس إلا في الأخلاق الفاضلة والصفات الكاملة كالحلم والصبر والزهد وكثرة الشكر والتضرع ونحوها ويكون في الآية دليل على أنه صلى الله عليه وسلم أفضل منهم قطعاً لتضمنها أن الله تعالى هدى أولئك الأنبياء عليهم السلام إلى فضائل الأخلاق وصفات الكمال وحيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهداهم جميعاً امتنع للعصمة أن يقال: إنه لم يمتثل فلا بد أن يقال: إنه عليه الصلاة والسلام قد امتثل وأتى بجميع ذلك وحصل تلك الأخلاق الفاضلة التي في جميعهم فاجتمع فيه من خصال الكمال ما كان متفرقاً فيهم وحينئذ يكون أفضل من جميعهم قطعاً كما أنه أفضل من كل واحد منهم وهو استنباط حسن. واستدل بعضهم بها على أنه صلى الله عليه وسلم متعبد بشرع من قبله وليس بشيء. وفي أمره عليه الصلاة والسلام بالاقتداء بهداهم دون الاقتداء بهم ما لا يخفى من الإشارة إلى علو مقامه صلى الله عليه وسلم عند أرباب الذوق.

السابقالتالي
2