الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }

قوله تعالى: { فُرَادَىٰ }: منصوب على الحال من فاعل " جئتمونا " ، وجئتمونا فيه وجهان، أحدهما: أنه بمعنى المستقبَل أي: تجيئوننا، وإنما أبرزه في صورة الماضي لتحقُّقه كقوله تعالى:أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [النحل: 1]وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } [الأعراف: 44] والثاني: أنه ماضٍ والمراد به حكاية الحال بين يدي الله تعالى يوم يقال لهم ذلك، فذلك اليوم يكون مجيئهم ماضياً بالنسبة إلى ذلك اليوم.

واختلف الناس في " فُرادى " هل هو جمع أم لا؟ والقائلون بأنه جمع اختلفوا في مفرده، فقال الفراء: " فُرادى جمع فَرْد وفريد وفَرِد وفَرْدان " فجوَّز أن يكون جمعاً لهذه الأشياء. وقال ابن قتيبة: " هو جمع فَرْدان كـ سَكْران وسُكارى، وعَجلان وعُجالى ". وقال قوم: هو جمع فريد كرديف ورُدَافى، وأسير وأُسارى، قاله الراغب، وقيل: هو جمع فَرَد بفتح الراء، وقيل بسكونها، وعلى هذا فألفُه للتأنيث كألف سُكارى وأُسارى، فَمِنْ ثَمَّ لم ينصرف، وقيل: هو اسم جمع؛ لأنَّ فَرْداً لا يجمع على فُرادى، وقول من قال: إنه جمع له فإنما يريد في المعنى، ومعنى فُرادى: فرداً فرداً، فإذا قلت: جاء القوم فُرادى فمعناه واحداً واحداً، قال الشاعر:
1987ـ ترى النَُعَراتِ الزُّرْقَ تحت لَبانِه   فُرادى ومثنى أَثْقَلَتْهَا صواهِلُهْ
ويقال: فَرِد يَفْرُد فُروداً فهو فارِدٌ وأفردته أنا، ورجل أفرد وامرأة فرداء كأحمر وحمراء، والجمع على هذا فُرْد كحُمْر، ويقال في فرادى: فُراد على زِنَةِ فُعال فينصرف، وهي لغة تميم، وبها قرأ عيسى بن عمر وأبو حيوة: { ولقد جِئْتُمونا فُرَاداً } وقال أبو البقاء " وقرئ في الشاذ بالتنوين على أنه اسم صحيح، يقال في الرفع فُراد مثل نُوام ورُجال وهو جمع قليل " انتهى، ويقال أيضاً: " جاء القوم فُرادَ " غير منصرف فهو كأُحاد ورُباع في كونه معدولاً صفة، وهي قراءة شاذة هنا. وروى خارجة عن نافع وأبي عمرو كليهما أنهما قرآ " فَرْدى " مثل سَكْرى اعتباراً بتأنيث الجماعة كقوله تعالى: { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سَكْرَىٰ وَمَا هُم بِسَكْرَىٰ } [الحج: 2] فهذه أربع قراءات: المشهورة فرادى، وثلاث في الشاذ: فُراداً كرُجال، فُرادَ كأُحادَ، وفَرْدَى كسكرى.

قوله: { كَمَا خَلَقْنَاكُمْ } في هذه الكاف أوجه، أحدها: أنها منصوبةُ المحل على الحال من فاعل " جئتمونا " ، فَمَنْ أجاز تعدد الحال أجاز ذلك من غير تأويل، ومَنْ منع ذلك جَعَلَ الكافَ بدلاً من " فُرادى ". الثاني: أنها في محل نصب نعتاً لمصدرٍ محذوف أي: مجيْئُنا مثل مجيئكم يوم خلقناكم، وقدّره مكي: " منفردين انفراداً/ مثل حالكم أول مرة " والأول أحسن لأن دلالة الفعل على المصدر أقوى من دلالة الوصف عليه. الثالث: أن الكاف في محل نصب على الحال من الضمير المستكن في فرادى أي: مشبهين ابتداء خلقكم، كذا قدَّره أبو البقاء، وفيه نظر؛ لأنهم لم يُشَبَّهوا بابتداء خلقهم، وصوابه أن تقدر مضافاً أي: مُشْبِهةً حالُكم حال ابتداء خلقكم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7