الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

ومعنى " يعتذر " أي: يبدي عذراً عن شيء يُخرجه من اللوم أو التوبيخ، ويقال: " اعتذر فلان " أي: فعل شيئاً مظنة أنه ذم، فيريد أن يعتذر عنه. والحق هنا يقول: { يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ } وفي آية سابقة يقول مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم:فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ... } [التوبة: 83]. وهكذا نلاحظ أنه سبحانه حين نسب الرجوع إلى الصحابة والمجاهدين قال: { رَجَعْتُمْ } ، وعندما نسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ } مما يدلنا على أن زمام محمد صلى الله عليه وسلم بيد ربه وحده، ولكن زمام أتباعه يكون باختيارهم. وهنا يقول الحق: { يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ } ويأتي بعدها ذلك الرد الواضح على محاولة المنافقين في الاعتذار: { قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ } ، وفي هذا رد حاسم، فأنت حين يعتذر إليك إنسان فقد تستمع لعذره ولكنك لا تقبله، ومجرد استماعك للعذر معناه أن هناك احتمالاً في أن يكون هذا العذر مقبولاً أو مرفوضاً، ولكن حين ترفض مجرد سماع العذر، فمعنى ذلك ألاَّ وجه للمعذرة. والحق سبحانه وتعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: { قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } فكأنما ساعة أقبل المنافقون على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتهيأوا للاعتذار وقبل أن ينطقوا بالعذر أوضح لهم الرسول عليه الصلاة والسلام: لا تعتذروا، ورفض مجرد إبدائهم للعذر. ثم فاجأهم بالحكم في قوله تعالى: { لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } ومادة " آمن " تدور حول عدة معان، نقول " آمن " أي: اعتقد وصدق مثل قولنا: " آمن بالله " ، ويقال: " آمن بالشيء " أي: صدَّقه، و " آمن بكذا " أي: صدَّق ما قيل. والحق هو القائل:فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ... } [يونس: 83]. وقال إخوة يوسف لأبيهم:وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } [يوسف: 17]. أي: لن تصدقنا. وآمن إذا تعدَّت بالباء فمعناها الاعتقاد، وإن تعدَّتْ باللام فمعناها التصديق، وإن تعدت بغير الباء وغير اللام فمعناها إعطاء الأمان، مثل قوله تعالى:فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [قريش: 3-4]. وتجيء أيضاً " آمن " و " أمن " بمعنى الائتمان، مثل قول الحق سبحانه وتعالى على لسان يعقوب:هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ... } [يوسف: 64]. إذن: فـ " آمن " إن تعدت بالباء فيكون معناها الاعتقاد الإيماني، وإنْ تعدَّتْ باللام فمعناها التصديق، وإن تعدَّتْ بنفسها إلى الفعل فهي إعطاء الأمان والسلام والاطمئنان، وإن تعدت بالمفعول أيضاً فمعناها القدرة على أداء الأمانات، مصداقاً لقوله الحق:وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً... }

السابقالتالي
2 3 4