الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ }

{ فَلَوْلاَ كَانَتْ } كلام مستأنف لتقرير هلاكهم و { لَوْلاَ } هنا تحضيضية فيها معنى التوبيخ كهلا ومثلها ما في قول الفرزدق:
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم   بني ضوطرى لولا الكمى المقنعا
ويشهد لذلك قراءة أبـي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما { فهلا } ، والتوبيخ على ما نقل عن السفاقسي على ترك الإيمان المذكور بعد؛ { وَكَانَ } كما اختاره بعض المحققين ناقصة، وقوله تعالى: { قَرْيَةٌ } اسمها، وجملة قوله سبحانه: { آمَنتُ } خبرها، وقوله جل شأنه: { فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا } معطوف على الخبر، أي فهلا كانت قرية من القرى التي أهلكت هلاك الاستئصال آمنت قبل معاينة العذاب ولم تؤخر إيمانها إلى حين معاينته كما أخر فرعون إيمانه فنفعها ذلك بأن يقبله الله تعالى منها ويكشف بسببه العذاب عنها، وذهب السمين وغيره إلى أنها تامة و { قَرْيَةٌ } فاعلها وجملة { آمَنتُ } صفة و (نفعها) معطوفة عليها. وتعقب بأنه يلزم حينئذ أن يكون التحضيض والتوبيخ على الوجود مع أنه ليس بمراد. وأجيب بأنه لا مانع من أن يكون التحضيض على الصفة وحينئذ لا غبار على ما قيل، وأياً ما كان فالمراد بالقرية أهلها مجازاً شائعاً والقرينة هنا أظهر من أن تخفى.

وقوله تبارك وتعالى: { إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ } استثناء منقطع كما قال الزجاج وسيبويه والكسائي وأكثر النحاة أي لكن قوم يونس { لَمَّآ آمَنُواْ } عندما رأوا أمارات العذاب ولم يؤخروا إلى حلوله { كَشَفْنَا عَنْهُمُ ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ } أي الذل والهوان { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } بعد ما أظلهم وكاد / ينزل بهم { وَمَتَّعْنَٰهُمْ } بمتاع الدنيا بعد كشف العذاب عنهم { إِلَىٰ حِينٍ } أي زمان من الدهر مقدر لهم في علم الله تعالى. ونقل عن ابن عباس أن المراد إلى يوم القيامة فهم اليوم أحياء إلا أن الله تعالى سترهم عن الناس على حد ما يقال في الخضر عليه السلام، ورأيت في بعض الكتب ما يوافقه إلا أنه ذكر فيه أنهم يظهرون أيام المهدي ويكونون من جملة أنصاره ثم يموتون والكل مما لا صحة له. وقال آخرون: الاستثناء متصل، ويراد من القرية أهلها المشرفون على الهلاك. وقيل: العاصون ويعتبر النفي الذي يشعر به التحضيض وهو مشعر بالأمر أيضاً ولذا جعلوه في حكمه إلا أنه لا يصح اعتباره على تقدير الاتصال لما يلزمه من كون الإيمان من المستثنين غير مطلوب وهو غير مطلوب بل فاسد، وقيل: لا مانع من ذلك على ذلك التقدير لأن أهل القرى محضوضون على الإيمان النافع وليس قوم يونس محضوضين عليه لأنهم آمنوا، والذوق يأبـي إلا اعتبار النفي فقط حال اعتبار الاتصال، ويكون قوله سبحانه: { لَمَّآ آمَنُواْ } استئنافاً لبيان نفع إيمانهم. وقرىء { إِلاَّ قَوْمُ } بالرفع على البدل من { قَرْيَةٌ } المراد بها أهلها، وأيد بذلك القول بالاتصال واعتبار النفي لأن البدل لا يكون إلا في غير الموجب، وخرج بعضهم هذه القراءة على أن { إِلا } بمعنى غير وهي صفة ظهر إعرابها فيما بعدها كما في قوله على رأي.

السابقالتالي
2