الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ }

الاستعاذة: اللجوء والاعتصام بالله من شيء تخافُه، فأنت لا تلجأ ولا تعتصم، ولا تستجير ولا تستنجد إلا إذا استشعرتَ في نفسك أنك ضعيف عن مقاومة عدوك. فإذا كان عدوك الشيطان بما جعل الله له من قوة وسلطان، وما له من مداخل للنفس البشرية فلا حَوْلَ لك ولا قُوّة في مقاومته إلا أنْ تلجأ إلى الله القوي الذي خلقك وخلق هذا الشيطان، وهو القادر وحده على رَدّه عنك لأن الشيطان في معركة مع الإنسان تدور رحاها إلى يوم القيامة. وقد أقسم الشيطان للحق تبارك وتعالى، فقال:قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ص: 82-83]. فما عليك إلا أن تكون من هؤلاء، ما عليك إلا أنْ ترتمي في حضن ربك عز وجل وتعتصم به، فهو سبحانه القوي القادر على أنْ يدفعَ عنك ما لم تستطع أنت دَفْعه عن نفسك، فلا تقاومه بقوتك أنت لأنه لا طاقة لك به، ولا تدعه ينفرد بك لأنه إن انفرد بك وأبعدك عن الله فسوف تكون له الغلبة. ولذلك نقول دائماً: لا حَوْلَ ولا قوةَ إلا بالله، أي: لا حول: لا تحوُّل عن المعصية. ولا قوة. أي: على الطاعة إلا بالله. ونحن نرى الصبي الصغير الذي يسير في الشارع مثلاً قد يتعرَّض لمَنْ يعتدي عليه من أمثاله من الصبية، أما إذا كان في صُحْبة والده فلا يجرؤ أحد منهم أنْ يتعرضَ له، فما بالك بمَنْ يسير في صُحْبة ربه تبارك وتعالى، ويُلْقي بنفسه في حماية الله سبحانه؟! وفي مقام الاستعاذة بالله نذكر قاعدة إيمانية علَّمنا إياها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: " من استعاذ بالله فأعيذوه ". فيلزم المؤمن أنْ يعيذ من استعاذ بالله، وإنْ كان في أحب الأشياء إليه، " والرسول صلى الله عليه وسلم يعطينا القدوة في ذلك، حينما تزوج من فتاة على قدر كبير من الحسن والجمال لدرجة أن نساءه غِرْنَ منها، وأخذْنَ في الكَيْد لها وزحزحتها من أمامهن حتى لا تغلبهن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كيف لهُنَّ ذلك؟ حاولْنَ استغلال أن هذه الفتاة ما تزال صغيرة غِرة، تتمتع بسلامة النية وصفاء السريرة، ليس لديها من تجارب الحياة ما تتعلم منه لُؤْماً أو مكْراً، وهي أيضاً ما تزال في نشوة فرحتها بأنْ أصبحت أماً للمؤمنين، وتحرص كل الحرص على إرضاء النبي صلى الله عليه وسلم فاستغل نساء النبي صلى الله عليه وسلم هذا كله، وقالت لها إحداهن: إذا دخلتِ على رسول الله فقولي له: أعوذ بالله منك، فإنه يحب هذه الكلمة. أخذت الفتاة هذه الكلمة بما لديها من سلامة النية، ومحبة لرسول الله، وحرص على إرضائه، وقالت له: أعوذ بالله منك، وهي لا تدري معنى هذه العبارة فقال صلى الله عليه وسلم: " لقد عُذْت بمعاذ، الحقي بأهلك " ".

السابقالتالي
2