الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ }

{ حَتَّىٰ إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ } { حَتَّىٰ } ابتدائية وغاية لمقدر يدل عليه ما قبلها والتقدير فلا أكون كالكفار الذين تهمزهم الشياطين وتحضرهم حتى إذا جاء الخ، ونظير ذلك قوله:
فيا عجباً حتى كليب تسبني   
فإن التقدير يسبني كل الناس حتى كليب إلا أنه حذفت الجملة هنا لدلالة ما بعد حتى، وقيل إن هذا الكلام مردود علىيَصِفُونَ } [المؤمنون: 96] الثاني على معنى أن حتى متعلقة بمحذوف يدل عليه كأنه قيل: لا يزالون على سوء المقالة والطعن في حضرة الرسالة حتى إذا الخ، وقوله تعالى:وَقُل رَّبّ } [المؤمنون: 97] الخ اعتراض مؤكد للإغضاء المدلول عليه بقوله سبحانه:ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } [المؤمنون: 96] الخ بالاستعاذة به تعالى من الشياطين أن يزلوه عليه الصلاة والسلام عما أمر به، وقيل علىيَصِفُونَ } [المؤمنون: 91] الأول أو علىيُشْرِكُونَ } [المؤمنون: 92] وليس بشيء. وجوز الزمخشري أن يكون مروراً على قوله تعالى:وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } [المؤمنون:90] ويكون من قوله سبحانهمَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ } [المؤمنون: 91] إلى هذا المقام كالاعتراض تحقيقاً لكذبهم ولاستحقاقهم جزاءه وليس بالوجه، ويفهم من كلام ابن عطية أنه يجوز أن تكون { حَتَّىٰ } هنا ابتدائية لا غاية لما قبلها، وتعقبه أبو حيان بأنها إذا كانت ابتدائية لا تفارقها الغاية، والظاهر الذي لا ينبغي العدول عنه أن ضمير { أَحَدِهِمْ } راجع إلى الكفار.

والمراد من مجيء الموت ظهور أماراته أي إذا ظهر لأحدهم أي أحد كان منهم أمارات الموت وبدت له أحوال / الآخرة { قَالَ } تحسراً على ما فرط في جنب الله تعالى: { رَبّ ٱرْجِعُونِ } أي ردني إلى الدنيا، والواو لتعظيم المخاطب وهو الله تعالى كما في قوله:
ألا فارحموني يا إلٰه محمد   فإن لم أكن أهلاً فأنت له أهل
وقول الآخر:
وإن شئت حرمت النساء سواكم   وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا برداً
والحق أن التعظيم يكون في ضمير المتكلم والمخاطب بل والغائب والاسم الظاهر وإنكار ذلك غير رضي والإيهام الذي يدعيه ابن مالك هنا لا يلتفت إليه. وقيل: الواو لكون الخطاب للملائكة عليهم السلام والكلام على تقدير مضاف أي يا ملائكة ربـي ارجعوني، وجوز أن يكون { رَبّ } استغاثة به تعالى و { ارجعوني } خطاب للملائكة عليهم السلام، وربما يستأنس لذلك بما أخرجه ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال: زعموا أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله تعالى عنها: " إن المؤمن إذا عاين الملائكة قالوا: نرجعك إلى دار الدنيا؟ قال: إلى دار الهموم والأحزان بل قدوماً إلى الله تعالى وأما الكافر فيقولون له نرجعك؟ فيقول: رب ارجعوني "

وقال المازني: جمع الضمير ليدل على التكرار فكأنه قال: رب ارجعني ارجعني ارجعني، ومثل ذلك تثنية الضمير في قفا نبك ونحوه.

السابقالتالي
2