الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } * { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ }

حدّثنا عيسى بن حماد العسقلاني قال: حدّثنا بِشر بن بَكرٍ، قال: حدّثنا الأوزاعي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «عُرض عليّ الأوّلون والآخرون بين يدي حجرتي هذه الليلة» فقال قائل: يا رسول الله! وَمن مضى من الخلق؟ قال:«نعم عُرض عليّ آدم فمن دونه فهل كان خُلِقَ أحد» قالوا: ومن في أصلاب الرجال وبطون الأمهات؟ قال: «نعم مثلوا في الطين فعرفتهم كما علم آدم الأسماء كلها» ". قلت: وقد تقدّم في أوّل «الأنعام» أن كل إنسان يخلق من طين البقعة التي يدفن فيها. { وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ } جمع جَنِين وهو الولد ما دام في البطن، سمي جنِيناً لاجتنانه وٱستتاره. قال عمرو بن كُلْثوم:
هِجانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرَأْ جَنِينَا   
وقال مكحول: كنا أجنّة في بطون أمهاتنا فسقط منا من سقط وكنا فيمن بقي، ثم صرنا رُضَّعاً فهلك منا من هلك وكنا فيمن بقي، ثم صرنا يَفَعةً فهلك منا من هلك، وكنا فيمن بقي، ثم صرنا شباباً فهلك منا من هلك وكنا فيمن بقي، ثم صرنا شيوخاً ـ لا أبالك! ـ فما بعد هذا ننتظر؟! وروى ٱبن لهيعة عن الحرث بن يزيد عن ثابت بن الحرث الأنصاري قال: " كانت اليهود تقول إذا هلك لهم صبيّ صغير: هو صِدِّيق فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «كذبت يهود ما من نسمة يخلقها الله في بطن أمه إلا أنه شقي أو سعيد» " فأنزل الله تعالى عند ذلك هذه الآية: { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } إلى آخرها. ونحوه عن عائشة: «كان اليهود». بمثله.فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [النجم: 32] أي لا تمدحوها ولا تثُنوا عليها، فإنه أبعد من الرياء وأقرب إلى الخشوع. { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } أي أخلص العمل وٱتقى عقوبة الله عن الحسن وغيره. قال الحسن: قد علم الله سبحانه كل نفس ما هي عاملة، وما هي صانعة، وإلى ما هي صائرة. وقد مضى في «النساء» الكلام في معنى هذه الآية عند قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ } فتأمله هناك. وقال ٱبن عباس: ما من أحد من هذه الآمة أزكّيه غير رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم.

PreviousNext
1 2 3